إصلاح الوضع العربي والمبادرة السعودية

TT

الجامعة العربية ماتت في صدر كل عربي، ولم يبق منها إلا أطلالها تلوح على مجرى النيل، وضع الجامعة العربية لا يسر القريب ولا البعيد ولا حتى الغريب. الجامعة العربية تتفرج على أشلاء الجسم العربي وهو يتمزق قطعة قطعة.

الأمة العربية وصلت إلى وضع من التردي لم تصل إليه في تاريخها، حتى في وقت الاستعمار لم تصل إلى هذا الوضع. فالاستعمار بث فيها روح المقاومة. وفي وقت الاستعمار أنجبت الأمة أبطالاً يقاومونه، وقادة يصنعون من أنفسهم آمالا لشعوبهم، جميع الدول العربية تحررت من الاستعمار الغازي ولكنها لم تتحرر من التبعية.

الجزائر في عهد الاستعمار قدمت مليون شهيد وها هم الجزائريون بدون استعمار يذبحون بعضهم بعضا.

فلسطين جرح ينزف منذ استعمار الغرب للوطن العربي، وما زال ينزف في جسم الأمة العربية، ولم تجد من يضمده، بل يزداد نزفه كل يوم. شعبه يذبح في اليوم أربعاً وعشرين ساعة. وفلسطين قسمت إلى تل أبيب والقدس والضفة الغربية وغزة. وتعد الخطط الجهنمية لتقسيمها إلى كانتونات عدة.

أطفال العراق يموتون جوعا ومرضا وكساحا. شعب العراق يموت موتا بطيئا من طول الحصار وكثرة التهديدات. الأساطيل الغازية على مرمى الحجر منه.

الأساطيل والحشود الغربية تتابع على المنطقة العربية في مقطورة أولها في الكويت وقطر وآخرها في فلوريدا وانجلترا.

هذا الزحف بحجمه الهائل وقوة بأسه لا يستعد للعراق فقط، بل المقصود به الدول العربية الواحدة إثر الأخرى.

من العار الذي كان يغسله الأجداد في دمائهم أن تنتظم الدول العربية في الطابور إلى حتفها، كل دولة ترى الدولة العربية الأخرى سائرة إلى حتفها والعدو يقول للطابور: NEXT) ).

من هذا التقييم للموقف والمراجعة للتاريخ والتنبؤ للمستقبل تحركت السعودية في مبادرتها لإصلاح الوضع العربي.

السعودية تتقدم بهذه المبادرة والأمة العربية في حلكة العتمة، بل في الهاوية، هذا المشروع يحث الدول العربية على الرفض الصريح والقاطع لغزو العراق أو أي بلد عربي آخر. وبالتأكيد لن يقتصر الأمر في الميثاق العربي إذا وقع الميثاق من كل الدول، على الرفض فقط. وإن كنت أشك في أن يتم من كل الدول العربية. لأن تاريخ الجامعة العربية منذ إنشائها لم يسجل أن اجتمعت الدول العربية على كلمة واحدة، بل بعضهم يحضر ليقول لا «ليفركش» الاجتماع.

وقد استثني اجتماع اللااءات الثلاث في مؤتمر الخرطوم، عندما التأم شمل السعودية ومصر، وهذه إشارة عريقة على اهميتة البلدين، فتوافقهما وتوحيد مواقفهما له الأهمية القصوى بتحديد مصير الأمة العربية، وذلك لما تتمتع به كلتا الدولتين من بعد روحي وقومي وثقافة تضرب أطنابها في عمق التاريخ، فإذا قالت السعودية: نعم، ومصر : لا. حصل خلل كبير في وحدة الصف العربي. وكذلك سيحصل خلل أعظم في التئام الشمل العربي والإسلامي لو قالت السعودية: لا.

فالمرحلة الأولى في الاستراتيجية العربية هي توحيد المواقف والرؤى من قبل القطبين الكبيرين في الوطن العربي.

المبادرة السعودية في نظري، أو هكذا أتمنى، تنطوي على استراتيجية بعيدة الاهداف. تتضمن حلولا جذرية لأمراض الأمة العربية، السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

أما المرحلة الثانية فهي قدرة الأنظمة العربية على تعديل انحراف مسار أي من الأنظمة العربية ولو بالقوة، اذا كان سيجر على كامل الأمة العربية الويل والثبور. واذا استطاعت الأنظمة العربية أن تقول لأي نظام يضر بتصرفاته مصالح الأمة «قف عند حدك»، فتستطيع أن تقول للأجنبي «مكانك لا تتحرك».

والمرحلة الثالثة وهي المهمة هي الوقوف كالبنيان المرصوص في وجه أي قوة خارجية تتدخل بالوكالة لحل مشكل الأمة العربية.

والأخذ بيد من حديد لإصلاح كل مشكلة تؤدي في النهاية إلى تدخل الغريب في شؤون البيت العربي.

وإذا لم يقف الوطن العربي وقفة رجل واحد، قيادات وجماهير وعلماء دين ومثقفين مسلمين ومسيحيين والقوى العربية كافة، على اعتبار المشروع السعودي ميثاق شرف كل عربي وعربية ومطلباً جماهيرياً قبل أن يكون مطلب قيادات، ستتداعى الأمم على الوطن حتى يقول العربي: ليت أمي لم تلدني عربيا، وستتسع خريطة إسرائيل السياسية على جميع الوطن العربي، حتى يباع العربي عبدا في سوق النخاسة.

مشروع ولي العهد السعودي هو ميثاق العرب الشرفاء والأبطال الذين لا يريدون للجيوش العربية أن تتلبس عار الهزيمة ولا أن تتسربل ذل الأسر.

ولم يسجل للأمير العربي عبد الله بن عبد العزيز أن زايد على المواقف العربية أو تفاوض تحت الطاولة وخلف الستار، وليس مؤتمر لبنان عن ذاكرتنا ببعيد، فالأمير يقول «نحن» وليس «أنا».

السعودية علاقتها قوية ومتينة مع أميركا، تؤكدها المصلحة المتجذرة منذ سبعين سنة، وإن كثرت الأقاويل وأراجيف الراجفين، إلا أن السعودية لم تساوم على الحق العربي من أجل مصالحها الخاصة رغم أنها مشروعة، فكل ما حصل بين السعودية وأميركا أو غيرها ممن لهم مصالح مستديمة معها، هو من أجل القضايا العربية الحساسة كفلسطين أو الكويت أو العراق أو غيرها. وليس قطع البترول عام 1973واكتفاء الشعب السعودي بالتمر وحليب النوق عن ذاكرة العربي ببعيدة.

ميثاق الأمير عبد الله يضمن حماية المصالح المشروعة وعدم التفريط بالمصالح والحقوق العادلة العربية ويسالم من يريد السلام ويرضى أن يعيش على هذا الكوكب بكرامته وحب الكرامة للآخرين، وليس بحبه للغطرسة والاستحواذ على قوت الشعوب.

وكل حرف في مسودة المشروع السعودي بمثابة العرى الوثيقة للبناء الوظيفي للعمل العربي المشترك، وهو سلك الحرير الذي ينتظم العلاقات في ما بين الدول العربية وفي ما بينها وبين العلاقات العالمية ذات التأثير في العالم. خيار السلام العادل الشامل الذي يتكئ على قاعدة الحقوق العربية المشتركة، هو النواة الأولى في المشروع السعودي، ومن هنا جاء المشروع بعنوان «ميثاق لإصلاح الوضع العربي»، فالأمة العربية حاملة لفيروس التفرقة وبعثرة الشمل واختلاف الكلمة وضياع الهدف، وهكذا تقدم الأمير عبد الله بآخر وصفة للعلاج، ونرجو ألا يكون الكي.

* كاتب سعودي