أحداث تتسابق على المركز الأول

TT

تسارعت وتيرة الاحداث في الايام القليلة الماضية، واتسعت رقعتها، وتشابكت تداعياتها. وبرغم تباعد بعضها عن الآخر، إلا ان نتائجها تتمازج لترسم شكل ما هو آت على المنطقة والعالم.

اربعة احداث ساخنة توجهت انظار العالم اليها هذا الاسبوع. الحدث الاول كان تقديم كبير مفتشي الاسلحة هانس بليكس، ومدير وكالة الطاقة الذرية محمد البرادعي، تقريرهما عن نتائج عمليات التفتيش عن الاسلحة المحظورة في العراق بعد مضي شهرين. وبدون الدخول في دقائق التقريرين، يمكن القول ان بليكس والبرادعي لم يوفرا للولايات المتحدة وغيرها من مريدي الحرب الغطاء الكافي من الذرائع لشن عمل عسكري، انما استغل معارضو الحرب ما ورد في التقريرين لتكثيف الضغط على العراق، واعطاء المفتشين مهلة اخرى لاكمال مهمتهم. وبين التمديد والوعيد تنصب الجهود حاليا، في مجلس الامن على تقريب وجهات النظر بين المؤيدين للحرب والمعارضين لها. ويمكن القول ان الحرب مؤجلة مؤقتا، وان العراق ربما كسب الجولة الاولى، إلا اننا نجد انفسنا اليوم في خضم الجولة الثانية التي يبدو ان الولايات المتحدة تستعد لخوضها بأسلوب جديد تماما.

يقودنا هذا، الى الحدث الثاني المهم، وهو خطاب الرئيس جورج بوش السنوي حول «حال الاتحاد»، والذي انتظره العالم بترقب، لأنه اعطى مؤشرات حول موقف اميركا من معارضة حلفائها للحرب، وكشف عن نوايا واشنطن بالنسبة لاحتمال خوضها دون غطاء دولي. وبدا جليا ان الرئيس بوش مصمم على تصفية نظام صدام حسين، وانه لا عودة عن هذا التوجه. ولذلك فإن اسلوب ادانة النظام العراقي اتخذ اتجاهين رئيسيين: الاول، ان العراق لا يملك اسلحة دمار شامل تهدد امن المنطقة واميركا فحسب، بل هو متهم ايضا بدعم شبكات الارهاب ومن بينها تنظيم القاعدة. وهنا يعيد الرئيس بوش تعريف الخطر الذي يمثله العراق على الاميركيين بحيث ادخل الارهاب، الذي يشكل قضية حساسة للشعب الاميركي، في صلب هذا التعريف. والاتجاه الثاني هو ان اميركا ستقدم أدلة جديدة لمجلس الامن، في الاسبوع المقبل، تؤيد اتهامها للعراق بدعم الارهاب واخفائه اسلحة دمار شامل. ولعل اهم ما ورد في خطاب بوش هو اعلانه ان اميركا ستتشاور مع حلفائها، لكنها لن تنتظرهم طويلا.

اما الحدث الثالث فهو بالطبع اعادة انتخاب رئيس الوزراء الاسرائيلي ارييل شارون وفوز حزبه اليميني فوزا ساحقا في الانتخابات التي جرت يوم الثلاثاء الماضي، ولم تفاجئ نتيجة الانتخابات احدا، إلا ان تدني نسبة المقترعين اثار قلق السياسيين هناك، وشكل صدمة لحزب العمل الذي تهمش دوره كثيرا. اما المفاجأة الحقيقية فكانت في حجم الفوز الذي حققه حزب الطبقة الوسطى العلماني «شينوي» بقيادة «تومي ليبيد»، الذي ينادي بعلمنة اسرائيل والغاء امتيازات اليهود المتدينين، والقضاء على الفساد، وايجاد صيغة سياسية لانهاء الصراع مع الفلسطينيين، تستند الى تفكيك معظم المستعمرات والانسحاب من الضفة والقطاع. اما فوز الليكود الذي ضاعف من عدد مقاعده، فلا يعني شيئا لأن حزب شارون لا يستطيع ان يشكل حكومة لوحده، وهنا يكمن المغزى الحقيقي للانتخابات. هل ينجح شارون في تشكيل حكومة وحدة وطنية واسعة تضم حزب العمل، الذي رفض زعيمه المهزوم عمرام متسناع مشاركة الليكود من حيث المبدأ، اضافة لحزب شينوي، الذي يقبل زعيمه الدخول في حكومة ائتلاف، شريطة عدم دخول الاحزاب الدينية، مثل حزب شاس؟ واذا فشل شارون في ذلك، فماذا سيكون أثر الحكومة اليمينية الضيقة التي سيشكلها على الحرب المستعرة ضد الفلسطينيين؟

وهل يكون اجتياح مناطق مكتظة من غزة، والامعان في قتل الفلسطينيين وتقطيع اوصال قراهم ومزارعهم، مقدمة لحرب اوسع واشمل ضدهم، كما يتوعد وزير الدفاع موفاز؟ وهل يستغل شارون غطاء الحرب على العراق لتنفيذ مشاريع اخطر لاجهاض الانتفاضة وانهاء الصراع بالقوة؟

هذه الاسئلة تقودني الى الحديث عن الحدث الرابع ذي الصلة، وهو العملية العسكرية الواسعة التي شنتها القوات الاميركية في جنوب شرقي افغانستان ضد فلول طالبان وقوات قلب الدين حكمتيار المتحالفة معها. لقد استخدمت القوات الاميركية مئات القنابل الموجهة بالليزر من عدة أوزان، وصرعت 18 مقاتلا من القبائل، تقول انهم من طالبان. كل هذه القنابل القيت للتأكد من ان الجنود الاميركيين لن يلقوا مقاومة تذكر عند وصولهم الى مسرح العمليات. المؤكد ان طالبان وقوات حكمتيار تعيد تجميع نفسها، وان انتصار الاميركيين في كابول وقندهار وغيرهما، لم يقفل هذا الملف بعد، وان كثيرا من الافغان بدأ ينظر الى الوجود الاميركي على انه احتلال اجنبي يستوجب المقاومة. الوضع في افغانستان مرشح للتأزم مرة اخرى، وهنا اتوقف لأسأل كيف سيحكم الاميركيون العراق بعد «تحريره»، وهم لم ينجحوا بعد، في فرض سلطانهم على كامل افغانستان، بعد قرابة عام على انتهاء الحرب هناك؟

* رئيس تحرير جريدة «ذا ستار» ـ الأردن