من يجرؤ على النصيحة

TT

كل الاطراف الاقليمية والدولية تتحدث بالجانب السياسي للأزمة، وامكانية الحل الدبلوماسي، وتبذل دول أوروبية وعربية جهدا كبيرا للحل السياسي للأزمة العراقية، ولكن السلطات العراقية هي الوحيدة التي تغرد خارج السرب فتتحدث عن الحسم العسكري وعن هزيمة أميركا، فالرئيس صدام يتحدث عن قتل مليون أميركي، وابنه يعتبر ما سيفعله العراق بأميركا اكبر مما حدث في 11 سبتمبر (أيلول) وطه ياسين رمضان يتوعد باشعال المنطقة وضرب الأميركيين في الكويت والسعودية، وطارق عزيز يتحدث عن ضربة محتملة للكويت، والتلفزيون الرسمي العراقي يظهر افلاما يومية لشباب يلبس بعضه البجامات وامامهم بندقية كلاشنيكوف او مدفع هاون صغير (60 ملم) يتدربون عليه كيف يواجهون القوات الأميركية!! الادهى والامر هو المسلسل اليومي للقاء الرئيس صدام حسين كل يوم «بوجبة» جديدة من الضباط ويتحدث معهم بالساعات حتى اصبحت هذه المناقشات التسلية الوحيدة للناس في اجواء متوترة، فمرة يطالبهم بسرعة الركض ويؤكد ان المدة التي يقطعها الجندي العراقي لمسافة عشرة كيلومترات يجب ان تقلص «لأننا سنحاربهم بالسكاكين والبنادق» ومرة يتحدث مباشرة بالتلفزيون بوجود ابنه قصي ووزير دفاعه سلطان هاشم وامام الملأ عن الخطة الاستراتيجية العسكرية لهزيمة أميركا فلا بد «ان تمتلئ الصحراء العراقية بالجنود العراقيين» وان الأميركيين سينزلون قواتهم في منطقة الرمادي وفي مناطق خالية من الوجود العسكري «ثم يخدع العالم بأنه على ابواب بغداد» ثم يعطي الضباط الطريقة التي سنتمكن فيها من هزيمة أميركا، وهي خطب واحاديث تشبه الى حد التطابق تلك العنتريات التي سمعناها قبيل حرب الخليج الثانية والتي انتهت بمأساة عسكرية ساحقة وبتوقيع اتفاقية صفوان.

المؤسف ان حكام بغداد لا يتعلمون شيئا لا من تجربتهم ولا من تجربة غيرهم، وبدلا من التحرك السياسي والدبلوماسي المكثف، والحديث بلغة الدبلوماسية والسلام، وكسب مزيد من التأييد عبر سياسة عاقلة ومتحضرة، يقومون بالتصعيد العسكري حتى يخيل للانسان ان العراق وليس أميركا هو القوة العظمى الوحيدة في عالم اليوم.

لقد ورطت العقلية الحاكمة في بغداد نفسها وورطت المنطقة معها بسياسات لم تجلب سوى مزيد من الفوضى والعنف، ويبدو انه لا احد في بغداد يستمع الى نصيحة، ولا احد يجرؤ على تقديم النصيحة.