لا يفعلها إلا نيرون!!

TT

حتى لو رأينا ذلك امام عيوننا فإنه لا يمكن تصديق ان الرئيس العراقي صدام حسين سيلجأ الى خيار شمشون «عليّ وعلى اعدائي»، ويبادر الى تدمير آبار النفط، كما فعل في الكويت، اذا بدأت الحرب وتيقن من ان نجاته ونجاة نظامه لم تعد ممكنة.

يعرف صدام حسين ان تدمير آبار النفط، اذا اندلعت الحرب، سيكون عقابا للشعب العراقي وليس للولايات المتحدة، فالولايات المتحدة قد تتضرر جزئيا لكن المتضرر الاكبر سيكون شعب العراق، ولهذا فإنه من غير المعقول ان يسعى حاكم لنحر شعبه قبل ان ينتحر، وبخاصة ان هذا الشعب صبر صبر ايوب، وقاسى خلال اكثر من ثلاثين عاما ما لم يقاسه شعب آخر.

عندما لجأ الرئيس العراقي في عام 1991 الى تدمير بعض آبار النفط الكويتية فإنه في حقيقة الامر لم يكن يريد معاقبة الولايات المتحدة، بل كان يريد معاقبة الشعب الكويتي والحكومة الكويتية، فالولايات المتحدة كانت قادرة في السابق، كما هي قادرة الآن، على تعويض اي نقص في وارداتها البترولية بزيادة الانتاج في دول نفطية اخرى.

لا يستحق الشعب العراقي بعد كل هذا الصبر وبعد كل هذه المآسي والويلات، ان يعاقب بتدمير اهم مصادر اعادة بناء بلده، فالعراق هو الآن محطم ومدمر، واذا واجه الحرب الضروس التي يلوح بها الاميركيون فإنه سيزداد دمارا على دمار، وانه سيكون بحاجة وبأمس الحاجة الى كل مصادره الطبيعية لاعادة بناء نفسه وللحاق بركب الحضارة ولتعويض السنوات الطويلة التي خسرها.

كل الذين كانوا يدمرون مدنهم ويحرقونها قبل ان يصلها الاعداء حلت بهم لعنة التاريخ، ومن غير المعقول ان يلجأ الرئيس العراقي الى ما لجأ اليه نيرون، حتى وان هو تيقن بأن الحرب ستحسم مصيره الشخصي وستحسم مصير نظامه وحزبه.

هذه الخيرات التي يختزنها جوف العراق ليست ملكا لأي حاكم حتى يبادر الى حرقها، اذا تيقن من ان نهايته غدت مؤكدة، انها ملك لشعب العراق ولأجيال العراق المقبلة، وان تدميرها سيكون اكثر اجراما من جريمة الحرب، اذا كانت هذه الحرب المرتقبة ستكون جريمة.

قرأنا ان عدي، النجل الاكبر للرئيس العراقي، تعهد بالا يدع الولايات المتحدة تسيطر على احتياطي العراق النفطي، ولقد فهم البعض بأن هذا التهديد يعني ان هناك نية مبيتة لتفجير آبار النفط اذا وقعت الحرب، بل ان هناك معلومات تحدثت عن ان النظام العراقي بدأ فعلا بتلغيم هذه الآبار، واذا صحت هذه المعلومات فإن هذه ستكون جريمة ما بعدها جريمة.

لا يمكن تصديق ان الرئيس العراقي الذي بقي يتغنى بـ «الماجدات» العراقيات وبإرث العراق الحضاري، سيقدم على خطوة كهذه الخطوة، التي لا يمكن ان يقدم عليها الا حاكم بمواصفات نيرون، ثم ولا بد من التأكيد مرة اخرى على ان تدمير آبار النفط العراقية ليس عقابا للولايات المتحدة وانما هو عقاب لشعب العراق العظيم، الذي من حقه ان ينعم بخيرات بلاده، وان يلتقط انفاسه ويعيد بناء بلده الذي وصل الى ما وصل اليه.