هل وضع الأساس لاستقرار في الشرق الأوسط وآسيا لعقود مقبلة؟ ربما كان ذلك، الى حد بعيد، ما حدث عندما كشفت الهند وايران عن شراكة استراتيجية، خلال الزيارة التي قام بها الرئيس الايراني محمد خاتمي الى الهند مؤخرا.
فعلى الصعيد الاقتصادي يحتاج البلدان الى بعضهما البعض. فايران تمتلك ثاني اكبر احتياطي من الغاز الطبيعي في العالم. وتعتبر الهند واحدا من اكبر مستوردي الغاز في العالم، وتقدر الموقع الاستراتيجي لايران كبوابة الى مصدري الطاقة في الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.
وعلى الصعيد العسكري يخشى البلدان من احتمال استيلاء الأصوليين الاسلاميين على ترسانة باكستان النووية. وسيتوفر للهند وصول الى القواعد العسكرية الايرانية في حال حدوث حرب مع باكستان، بينما ستحصل ايران على التكنولوجيا العسكرية الهندية المتقدمة.
ويعتبر الرئيس جورج دبليو بوش ايران جزءا من «محور الشر». ويحذر مسؤول اميركي لم يكشف عن اسمه، من ان تحالف نيودلهي ـ طهران يمكن ان «يضع عوائق أمام صلاتنا الدفاعية المزدهرة» مع الهند. غير ان على بوش ان لا يسمح لازدرائه حكام طهران بتجاوز حاجة اميركا الى الهند، او الحاجة الى دعم ما يسميه «أمل الشعب الايراني في الحرية».
ويتعين عليه ان يدرك ان الهند وايران هما السبيل المؤدي الى الاستقرار الاقليمي، وان ينضم الى نيودلهي وطهران في محور صداقة.
وقد قال لي نائب رئيس الوزراء، لال كريشان أدفاني، بأن الولايات المتحدة والهند هما «البرجان التوأمان للديمقراطية». والحق ان الهند اصبحت قوة اقليمية كبرى في ظل تقدم المصالح الاميركية من اسرائيل الى ايران وحتى اندونيسيا.
هل تريدون آسيا تنعم بالسلام؟ اذن تشاركوا مع الهند، حليف الولايات المتحدة الذي يعتمد عليه في التعامل مع كوريا الشمالية، والقوة البحرية المتنامية في جنوب شرقي آسيا، والمرشح البارز لمقعد دائم في مجلس الأمن.
وعلى الرغم من ان النزاع مع باكستان حول كشمير يحتل العناوين الرئيسية في الصحافة العالمية، فان الهم الأمني الأساسي، البعيد المدى هنا، هو الصين الصاعدة عسكريا واقتصاديا، والتي تحتل جزءا من الأراضي الهندية.
هل تريدون ان تظهروا لمسلمي العالم البالغ عددهم 1.2 مليار شخص بديلا تقدميا واعدا لرؤية اسامة بن لادن القروسطية؟ إذن ادعموا الهند العلمانية، المجتمع المتعدد الأديان، والتي تضم ثاني اكبر عدد للسكان المسلمين في العالم. فالـ150 مليون مسلم في الهند، بمن فيهم ثاني اكبر تجمع للشيعة في العالم بعد ايران، بعيدون، غريزيا، عن القاعدة التي يهيمن عليها المذهب السني.
هل تريدون ان تكبحوا، في الآن ذاته، دعم باكستان وايران للارهاب؟ إذن امنحا هذين البلدين حصة في السلام والرفاه الاقليمي، مثل الملايين من الايرادات، ورسوم الترانزيت مما يسمى «انبوب السلام» الذي ينتظر ان يربط ايران والهند عبر افغانستان وباكستان.
ان وصول الهند الى القواعد الايرانية يطوق باكستان ويحتويها، ويغير بشكل جوهري، حسابات اسلام اباد الاستراتيجية.
وان صلات الهند الجديدة مع ايران تجعل منها اكثر وليس اقل، قيمة بالنسبة لواشنطن. فعندما كانت افغانستان تحت سيطرة طالبان ذات التوجه السني، كانت ايران والهند تدعمان تحالف الشمال. ولعب كلا البلدين دورا حيويا في خلق ودعم الحكومة المدعومة اميركيا في كابل.
وفي مسعى إعادة البناء ستقوم نيودلهي وطهران ببناء الطريق الضروري جدا الذي يربط ميناء شابهر الايراني بمدينة قندهار الافغانية.
وكما هو الحال في افغانستان، فان الولايات المتحدة ستحتاج الى ايران في المساعدة على استقرار العراق في مرحلة ما بعد صدام حسين. ومن بين الدلائل المشجعة ترحيب طهران الحار بلقاء زعماء المعارضة العراقية فيها مؤخرا.
وستكون نيودلهي ايضا مصدر قوة متنامية بالنسبة لواشنطن بفضل شراكتها العسكرية مع اسرائيل. ومن اليسير ان نرى لماذا يعتبر شيمعون بيريس الهند «افضل صديق لاسرائيل في المنطقة». فكلتاهما تواجهان هجوما ارهابيا من المتطرفين الاسلاميين. وكلتاهما قوتان نوويتان يحيط بهما جيران معادون يمتلكون صواريخ بالستية.
وقد شهدت التجارة الثنائية بين البلدين ازدهارا كبيرا، وتتوجه اعداد كبيرة من الشبان الاسرائيليين الى السواحل الهندية. ومن المتوقع ان تصبح اسرائيل اكبر مصدر للأسلحة الى الهند التي ترغب رغبة شديدة في مصادقة واشنطن على شراء نظام الدفاع الصاروخي الاميركي ـ الاسرائيلي.
وشأن شراكتها الاقتصادية والعسكرية الجديدة مع تركيا، فان صلات اسرائيل المتنامية مع الهند تمنح اوثق حليف لأميركا في الشرق الأوسط صديقا هاما.
واذا ما نظرنا الى الوضع بمجمله، فان هذه الشبكة من التعاون تبشر بحدوث اعادة اصطفاف تاريخية في توازن القوى الاقليمي ـ تحالف انظمة ديمقراطية تقف الهند في مركزه. وينبغي على اميركا ان تصوغ شراكتها الاستراتيجية الخاصة مع الهند.