طواحين النفط

TT

امطري حيث شئت، قال الرشيد. فقد كان يعرف تماما مسافة السحب ووسع الامبراطورية وخراجها. وعندما يقرأ المرء هذه الايام التحليلات الكثيرة حول اهداف الحملة الأميركية على العراق، يصل الى استنتاج واحد، وهو ان لها هدفا واحدا، هو النفط. لكن ثلاثة ارباع النفط العراقي «المحاصر» ينتهي في الولايات المتحدة، كما قال كولن باول ـ وأميركا ـ وكذلك فرنسا وبريطانيا وجزر القمر وجمهورية توباغو ـ تسعى الى كل نقطة نفط، ليس في العراق وحده بل في كل مكان من الارض.

الامبراطورية العربية الجديدة هي اكثر من 75 في المائة من نفط العالم. بلاد تملك وتصدر وبلدان لا تملك وتستهلك. العام 2007 سوف يكون كل برميل نفط تستهلكه أميركا، برميلا مستوردا. وكل برميل تنتجه ـ او تحفظه ـ سوف تحوله الى المخزون الاستراتيجي. وخراج النفط العربي ليس الولايات المتحدة وحدها بل هو ابعد من ذلك بكثير. وامطري حيث شئت!

ويستهلك الأميركي الآن ما معدله 28 برميلا في العام، بينما يستهلك الصيني برميلين. ويمكن لنا ان نتصور ما سوف تكون عليه اهمية النفط عندما يتضاعف استهلاك الفرد الصيني. هناك مليار ونصف المليار منهم.

قبل حوالي العقد التقيت في مؤتمر الأوبك في جنيف الأمير عبد العزيز بن سلمان وكيل وزارة النفط، وسألته من اين هو قادم، فقال «من الصين. سوق المستقبل». وعندما سمعت امس الارقام الاخيرة عن الاستهلاك، ادركت معنى ان يمتلك العرب سلعة يحتاجها الأنام، سواء كانوا في الغرب او في الشرق. عند دنغ كسياو بنغ او عند دونالد رامسفيلد.

يروي صديق عائد من أميركا انه قطع نحو ساعة ونصف بالسيارة في منطقة بالم سبرنغز وهو يرى على جانبي الطريق الطواحين المعدنية التي تستخدم في توليد الطاقة. انها احدى الوسائل البديلة التي يطورها الأميركيون من اجل الاستغناء عن بعض النفط العربي. وبعد حرب أكتوبر 1973 استدعى هنري كيسنجر كبار خبراء الطاقة وقال لهم، كما يروي في مذكراته، خذوا ما شئتم من الموازنات وحررونا من سيطرة النفط العربي. لكن الى سنوات طويلة اخرى سوف تظل طواحين الهواء وصحون الطاقة الشمسية اشبه بطواحين دون كيشوتي. وبعد ثلاثة عقود على «امر» كيسنجر لا تزال كل البدائل عاجزة عن تشكيل استقلالية صغيرة.

المشكلة الكبرى ليست في هذا الخراج الامبراطوري الجديد بل في نظرة العرب اليه. الشعراء يشتمونه واصحاب الحنين الى عصر الشموع يقولون انه نقمة لا نعمة، والذين يريدون الخروج من عصر الطرقات والمباني والمستشفيات والعلاج الى معدل الاعمار التي لا تزيد على اربعين عاما، يعتبرون النفط عقبة كأداء في وجه رؤيتهم المستقبلية الحانية!

للحملة الأميركية على العراق ألف هدف، احدها النفط. ومن السذاجة ان نعتبر ان نفط العراق ذو اهمية استراتيجية، وان نفط الكويت او الامارات او الغاز القطري الذي يشكل 10 في المائة من الغاز العالمي، ليس مهما. لقد طالب الرئيس العراقي صدام حسين خلال حرب الكويت «باقتسام الثروات». وهو اقتراح وجيه. ويقتضي ان يكون لمصر شيء من ثاني اكبر احتياطي نفطي في العالم. وان يكون للامارات شيء من مياه الرافدين العظيمين، وان يبادل لبنان شيئا من مياهه الذاهبة هدرا الى البحر ببعض نفط الكويت، بدل تفجير آباره في الهواء.

ويقتضي الحفاظ على هذه الامبراطورية النفطية وخراجها، الاتفاق على سياسة نفطية واحدة. سياسة عاقلة تدرك ان النفط لم يعد «ورقة» اعلامية يتسلى بها الذين يشعرون بالضجر، بل هو سائل حيوي، كالمياه والدماء بالنسبة الى جميع الفرقاء. ويا ايها المحللون الاعزاء: ذهبت أميركا الى الصومال فقلتم ان السبب هو النفط الدفين. وذهبت الى افغانستان فقلتم ان السبب هو نفط بحر قزوين.. والآن تتكرمون بجعل نفط العراق هو السبب. نفط العراق هو الحاصل. اعيدوا قراءة كولن باول، الزغلول الذي صار صقرا.