كتب جديدة!

TT

زمان كنت افرح بصدور كتاب جديد.. واسارع بالبحث عنه اذا كان قد نزل الى مكتبات السعودية فاذا لم يكن، اتصلت بأصدقائي هنا وهناك وظللت «على الهاتف» حتى احصل على نسخة.. خاصة وأنا احب الاحتفاظ بالطبعة الأولى.

فاذا حصلت على الكتاب سارعت الى تجليده او تغليفه وطبع اسمي الكريم عليه..ثم اختلي به متلمظ العينين والرأس وأقرأ واصبح من فرط المتعة حتى ان أسرتي رحم الله من مات منها ومن عاش كانوا يظنون انني ذاهب لا محالة الى «المورستان» بعد الكتاب العاشر او العشرين.. ولا ادري اذا كانت نبوءتهم قد صدقت ام لا.. واذا كنت لم ارتد بعد قميص المجانين فهذا لا يعني انني عاقل.. وفي هذا العالم الرهيب الذي نعيش فيه من الصعب التفرقة بين العقل والجنون فقد اختلطت الامور والظنون.

على كل حال اخشى ان اقول ان حبي القديم للكتب اخذ يتلاشى.. وبعد ان كنت اتمنى ان يرث ابني الوحيد مكتبتي.. وهي على كل حال كل ما املكه في هذه الدنيا.. اصبحت اخشى عليه من هذا الميراث.. بعد ان كنت اضن بكتبي لا اعيرها الا لمن يستحق اصبحت على وشك ان اقف على ناصية الشارع اطلب من المارة التفضل باستعارة ما يشاءون من كتب بشرط عدم اعادتها.

ما الذي جرى لي؟! ماذا حدث بالضبط لقد اصبحت اخشى ان اقرأ القائمة التي تنشرها «الشرق الأوسط» اسبوعيا بعد ان كنت اتلهف على قراءتها.. اصبحت اخشى ان اقرأ اسماء وعناوين الكتب والمؤلفين.. اصبحت اتمنى ان استيقظ في الصباح لأقرأ عناوين الصحف وهي تبشرنا بوقف طباعة الكتب في جميع انحاء العالم.

اكرر السؤال.. ما الذي جرى؟

افتش على طريقة «شرلوك هولمز» و«سيجموند فرويد» في نفس الوقت على الدوافع الكامنة وراء هذه الحساسية المفرطة ضد الكتب؟! هل هي بسبب انها سرقت بصري واضطرتني الى لبس النظارات الغليظة؟! هل السبب انها احنت هامتي وكسرت رقبتي وحطمت عظامي؟ هل السبب انها عزلتني عن الواقع فأصبحت ارى الامور بعين «كانت» و«هيجل» و«سارتر»و«العقاد» و«طه حسين» وعشت في وهم انهم فقط الطريق الى فهم العالم بينما «بل جيتس» يفهم اكثر منهم جميعا؟! هل لأن هذه الكتب استهلكت دريهماتي التي اكدح بها طول الشهر فأحرم نفسي ناعم العيش وارضى بخشنه وقليله من اجل توفير ثمنها؟

لا ادري ايها السادة ماذا اقول لكم.. فأنا لم اعد املك ثمن الكتب الجديدة.. ولم تعد نظارتي تكفي لقراءتها.. ولم يعد في رقبتي قوة للانحناء عليها.. وربما ايها السادة ان السبب الحقيقي هو ان الكتب الجديدة لا تحمل جديدا والحكاية كلها مفرمة كلام لا يتغير فيه الا اسم المؤلف.. يمكن.. يمكن ايها السادة.. الله اعلم!