سبع صنايع والبخت ضايع

TT

* لم ينطبق هذا القول على أحد كما انطبق عليّ قبل أيام، عندما ذهبت لتشييع جنازة ابن عمي محمود ناجي القشطيني، في نوتنغهام. كانت زوجته الإنجليزية مودين، قد أعدت كل شيء للمراسم مع الهيئة الإسلامية في المدينة. وعدوها بأن الشيخ الإمام سيكون هناك ليقود الصلاة والدعاء والتلقين مع جوقة من المنشدين المتصوفين ينشدون الموشحات التأبينية على قبره على عادة بعض المغاربة. وصلنا المقبرة في الوقت المحدد فلم نجد أمامنا غير حفرة القبر والفتاة الإنجليزية التي قامت بحفره. لا شيخ هناك ولا إمام ولا منشدون ولا قارئون، وحولنا كل هؤلاء الإنجليز الخواجات يتفرجون على مراسم الدفن الإسلامي.

وقفنا ننتظر في يوم من أسوأ أيام الشتاء القارص. قلنا لعل السيارة قد توقفت أو الزحام اشتد في الشارع. وطال الانتظار وبدأ المشيعون يهمون بالانصراف. وحتى الميت في تابوته بدأ يشعر بالبرد وبالملل، وكأني اسمعه يقول «يا الله ادفنوني وخلصوني، يعني حتى بالموت على المواطن العراقي أن ينتظر». جاءني صديقنا اسماعيل البنا وهمس في أذني: «يا الله أبو نايل، صير أنت الشيخ وسوي صلاة الميت، قبل ما يقوم محمود ويشق الكفن وينهزم».

لم يبق أي خيار آخر، فتقدمت، «الله أكبر، الله أكبر»، وأديت الواجب وقرأت الفاتحة ودعيت لابن عمي بالمغفرة والجنة ووارته الفتاة الإنجليزية التراب.

«هذي والله دفنة يستاهلها ابن عمك، حتماً تمتع بيها، بنت صوجرية، شعر أشقر وعيون زرقاء، تدفنه بيدها».

في طريقنا عائدين، همس صاحبي في أذني: «أحسنت أبو نايل، أديت المطلوب أحسن أداء، يعني إذا ضاق بك الزمان، عندك مهنة أخرى، مقرئ في المقابر».

ثم استرسلنا في الكلام، اشتغلت معلماً ومحامياً وفناناً ومترجماً ومذيعاً وكاتباً، ست صنايع وهذي المهنة السابعة مقرئ على الموتى.

عدت إلى لندن ورويت الحكاية بقرف واستياء لزملائي، حتى في الموت يعجز المسلمون عن التنظيم والالتزام بالمواعيد والواجب. أجابني أحدهم «هذا ولا شيء، أشكر ربك أن الميت كان هناك، ما تأخر عن الموعد. أنا حضرت لتشييع صديق لي والميت لم يحضر للدفن، حدد أهله يوم وميعاد دفنه دون أن يتأكدوا من المستشفى عن اليوم المحدد لتسليم الجثة. حضرنا وكان القبر محفوراً، لكن الميت غير موجود. اضطروا إلى إعادة دفن الحفرة بدون ميت، وتحملوا تكاليف الحفر مرتين».

هذا شيء يحيرني حقا في أبناء ملّتي، لم يستطيعوا حتى تنظيم دفن جنازة، كيف نظموا ضرب مركز التجارة العالمي؟، يعني فقط بأعمال السوء نظهر شطارتنا؟، لا عجب إن قال البعض إن عملية ضرب المركز التجاري قام بها إسرائيليون ليشوّهوا سمعة المسلمين، أنا أيضاً في الواقع لدى سماعي بالنبأ أول مرة قلت هذه ليست شغلة عرب ومسلمين.

مشينا نحو باب مقبرة نوتنغهام والجميع يهنئونني وكأنني عريس قام باللازم تواً!، «بيضت وجوه كل آل القشطيني يا أبو نايل»، لكن زميلاً آخر همس في أذني «عزيزي خالد، تعرف أنك غلطت بصلاتك، سبلت يدك، خليتها نازلة، الصحيح لازم تتكتف وتحطها على صدرك».

«هالشكل كنت أصلي كل حياتي، اتكتف على صدري، لكن ذاك اليوم رحت اصلي بمسجد آل البيت وراء محمد بحر العلوم وشفته ينزل يديه واقتديت به، وصححت نفسي. قلت أنا كنت غلطان».

«مسجد آل البيت مسجد جعفري، الشيعة يصلون هالشكل، ينزلون أيديهم، احنا السنة نكتف أيدينا على صدرنا. انت صليت غلط».

«يعني تريد تفهمني ان ابن عمي محمود سيرميه الله في نار جهنم لأبد الآبدين لأني سبلت يدي ولم اكتفهما؟».