حجة الحرب

TT

طرح وزير الخارجية الأميركي كولن باول حجته أمام مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة الأسبوع الماضي، وكانت ملاحظاته موجهة إلى جمهورين: الحلفاء المعارضين، وجمهور أميركي ما زال غير مقتنع. وكان رد الفعل مختلطاً.

فالصقور، المستعدون للتوجه إلى الحرب، أكدوا أن باول كان «كاسحاً ومقنعاً». والحقيقة أن وجود الوزير الهادئ والقوي، مترافقاً مع تقديمه الأشرطة الصوتية والصور، طرح حجة قوية، رغم أنها ظرفية، لدعم مزاعم الولايات المتحدة حول أن نظام بغداد لم يذعن بالكامل لقرارات الأمم المتحدة.

والصعوبة الرئيسية في عرض وزير الخارجية باول، لم تكن الحجة التي طرحها، إنما الحجة التي لم يعالجها. وببساطة شديدة، فإن الأسئلة التي يطرحها أولئك الذين ما زالوا غير مقتنعين هي: «لماذا يتطلب هذا الوضع حرباً، ولماذا الآن؟». ولا يطلب حلفاء الولايات المتحدة الأوروبيون والعرب وعدد كبير من الأميركيين، دليلاً على وحشية الحكومة العراقية أو نواياها الشريرة، فهذا، في معظمه، مقبول كحقيقة. ولكن ما يريد غير المقتنعين من باول معالجته، هو كيف أن هذه الحرب المخطط لها تستجيب للمتطلبات البينة لما سمي قبل عقد من الزمن بمبدأ باول.

وقد طرح هذا المبدأ، كما صاغه باول، وفي شكله الأخير، وزير الدفاع السابق كاسبر واينبيرغر، ستة شروط يجب تلبيتها قبل أن تتورط الولايات المتحدة في أي نزاع عسكري، وهي:

1 ـ أن المصالح الحيوية للولايات المتحدة في خطر.

2 ـ أن الولايات المتحدة مستعدة وقادرة على توفير مصادر كافية لإحراز النصر في الحرب بصورة سريعة، وحاسمة، وبأقل التضحيات.

3 ـ أن الأهداف العسكرية والسياسية مرسومة ومحددة بدقة ووضوح.

4 ـ أن هناك إرادة سياسية لدعم الالتزام الضروري لتحقيق هذه الأهداف.

5 ـ وجود توقع منطقي في البداية من أن الرأي العام والكونغرس الأميركي سيدعمان هذا الالتزام ويعززان هذا الدعم.

6 ـ وأن الوسائل المحتملة لحل النزاع كانت قد استنفدت مسبقاً.

وكان مبدأ باول نتاجاً لتجارب الوزير في فيتنام والنزاعات العسكرية الكارثية الأخرى التي أعقبت فيتنام، خصوصاً في لبنان والصومال. وقد ألقت هذه التجارب بثقلها على باول عندما طلب منه، كرئيس للأركان العامة، أن يدرس موضوع إرسال قوات أميركية إلى هايتي، وفي وقت لاحق إلى البوسنة/ صربيا. وكان معارضاً للتورط في ما كان يشعر بأنه مهمات غير محددة يمكن أن تؤدي إلى خسائر كبيرة في موارد وحياة الأميركيين، وتثبت، في نهاية المطاف، انها لم تحظ بدعم الرأي العام.

ولهذا السبب بات باول يدعى «المحارب المعارض»، وجزئياً، لهذا السبب أيضاً، فإن كثيراً من الأميركيين زادوا من احترامهم له. فقد كانوا يثقون بأنه لن يغامر بحياة الأميركيين، أو يفكر بحروب أجنبية، ما لم تتوفر شروط صارمة للقيام بذلك.

وفي هذا السياق، من اللافت للانتباه، أن نرى أن استطلاعات الرأي في الأسبوع الماضي أظهرت أن المعدلات الإيجابية لوزير الخارجية باول لا تزال أعلى، إلى حد كبير، من معدلات الرئيس. وعندما يسأل الأميركيون عمّن يثقون به أكثر لاتخاذ قرار الحرب، فإن باول يتفوق، مرة أخرى، على الرئيس بصورة حاسمة.

وفي الوقت ذاته، فإنه من المثير للاهتمام ان استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة في أعقاب خطاب باول تظهر أنه بينما كانت أغلبية كبيرة من الجمهور متأثرة بعرضه، وأحست بأنه قدم حجة مؤثرة ضد العراق، فإن أغلبية من الأميركيين لا تزال، مع ذلك، ترغب بأن تستثمر الإدارة وقتاً أطول قبل شن الحرب. ولا تزال أغلبية يعتدّ بها لا ترغب بدخول الولايات المتحدة الحرب ما لم تقر الأمم المتحدة ذلك.

وفي هذا الصدد، فإن الحجة التي لم يقدمها باول تبقى حجة أكثر حسماً، فهناك أسئلة أساسية يجب طرحها: ما هو الهدف المحدد لهذه الحرب؟ كيف ستعرّف الولايات المتحدة النصر؟ وهل ستتحمل الولايات المتحدة العبء الأكبر لهذه الحرب وحدها؟.

وارتباطاً بكون «القاعدة» لا تزال تشكل خطراً حقيقياً، ومشاركة القوات العسكرية الأميركية في تجربة إعادة بناء أفغانستان البعيدة الأمد، وخطر أن حرباً على العراق ستؤثر سلباً على تحالف الولايات المتحدة الإقليمي الهش ضد الإرهاب، يطلب الرأي العام الأميركي، على نحو محق تماماً، إجابات عن هذه الأسئلة التي لم تجر معالجتها حتى الآن.

لقد اتصل بي صحافي بعد خطاب باول، وطرح عليّ السؤال التالي: «لقد تحدثت، للتو، مع عدد من الأميركيين العراقيين، ممن كانوا يشعرون، عالياً، بأن الوزير باول قدم حجة مقنعة ضد صدام، لماذا لا تدعم هذه الحرب؟».

وقد أجبت ببساطة شديدة «لا يتطلب الأمر جهداً كبيراً لتقديم حجة مقنعة ضد صدام حسين، لكن ذلك ليس الشيء ذاته في تقديم حجة مقنعة لصالح هذه الحرب. إنني أهتم بالعراقيين، وأتوق إلى رؤيتهم وقد تحرّروا من هذا الدكتاتور الوحشي، لكنني، أيضاً، أهتم بأميركا، وما زلت لا أفهم كيف أن بلدي سيكون أكثر أمناً وأفضل احتراماً، إذا ما خضنا هذه الحرب بدون دعم إقليمي ودولي أوسع».

وتنتشر، دون أساس واقعي، فانتازيا المحافظين الجدد الصبيانية من أن هذه الحرب ستستغرق أسبوعاً، وستشكل صدمة للنظام العربي، بحيث أن المتطرفين سيكون نصيبهم الدمار، بينما سيكون نصيب الديمقراطية الازدهار. ولا يمكن للمرء أن يقيم سياسة تخاطر بحياة الأميركيين والعراقيين على أساس مثل هذه الافتراضات الخطرة والمهلهلة.

ان باول ليس محافظاً جديداً. لقد كان، على الدوام، محارباً جاداً وعميق التفكير. ولهذا السبب، بالذات، لا يزال كثير من الأميركيين يتطلعون إليه ليقدم حجة مقنعة لشن الحرب. وفي خطابه في الأمم المتحدة الأسبوع الماضي قدم حجة مقنعة ضد صدام، لكن ليس حجة مقنعة للذهاب إلى الحرب، فهذه الحجة لا تزال بحاجة إلى تقديم.