الحرب والحكمة

TT

أظهر الرئيس جورج بوش ووزير خارجيته كولن باول بدهاء أن العراق يخفي اسلحة، وأن صدام حسين يراوغ وأن على المسؤولين العراقيين أن يقللوا من هذرهم على الهاتف، لكنهما لم يوضحا أن الحل هو غزو العراق. لو شاهدت الاطفال يمزقهم الرصاص، فإنك تدرك ان الحرب يجب ان تكون هي الملجأ الاخير فقط. لكننا لم نبلغ ذلك بعد، فما زال أمامنا خيار أفضل هو الاحتواء.

هذا ما يجعل العديد من القادة المدنيين في وزارة الدفاع الاميركية ميالين للحرب. لكن البعض من الذين يرتدون الزي الرسمي يراوغون. وقد عبر جنرالات اميركيون مثل نورمان شوارتزكوف، وانتوني زيني، وويزلي كلارك، عن قلقهم تجاه الاندفاع للحرب. قال شوارتزكوف لصحيفة «واشنطن بوست»: «لقد اصبحت متوتراً بعض الشيء ازاء بعض التصريحات التي ادلى بها رامسفيلد. واعتقد ان من المهم للغاية بالنسبة لنا أن ننتظر لنرى ما يتوصل إليه المفتشون». أما زيني، فقد قال عن صقور ادارة الرئيس بوش في خطاب ألقاه في معهد الشرق الاوسط بواشنطن في اكتوبر (تشرين الاول) الماضي: «لست متأكداً في اي كوكب يعيشون لأنه ليس الكوكب الذي اتنقل فيه». وأضاف زيني: «اذا اتجهنا الى حل هذا النزاع عن طريق العنف سنكون مخطئين. فأولاً أنا لا ارى أن ذلك ضروري. وثانياً، أعتقد ان الحرب والعنف يمثلان الملجأ الاخير».

يقارن صقور البيت الابيض صدام كثيراً بهتلر، موحين بأنه إذا لم نواجهه الآن في بغداد فإننا سنواجهه غداً في البحر الابيض المتوسط. وقد قيل الشيء نفسه عن جمال عبد الناصر الذي نظر الغرب اليه بوصفه هتلر الخمسينات والستينات من القرن العشرين. ولكن كما حدث مع ناصر فإن المقارنة خاطئة. فقد يكون صدام سيئاً كهتلر، لكنه غير قادر على غزو جيرانه. ولقد تدهور وضع جيشه حتى عندما حاربته ايران وإستطاعت إيقاف تقدمه، وهو لن يصير خطراً علينا غداً بل الاحتمال الاقوى هو أن يلقى نحبه.

إن مقارنة أحسن يمكن ان نجدها في تعامل ادارة الرئيس رونالد ريجان مع ليبيا. لقد اختار ريجان بحكمة احتواء ليبيا وليس غزوها. ولقد أفاد ذلك. هل هناك من يعتقد اننا كنا سنصير احسن اليوم لو كنا قد غزونا ليبيا وتركنا فيها قواتنا على مدى عامين هدفاً لرصاص البدو في الصحراء؟

حقاً، كما اقترح بوش مساء الخميس، لا شك أن صدام يحاول ان يتلاعب معنا. لكن المفتشين اثبتوا في التسعينات أنهم ليسوا دمى، فقد تقدموا في عملهم وحطموا أسلحة تزيد عن ما حطمته الولايات المتحدة في حرب الخليج. وحتى لو استطاع صدام أن يخفي اسلحة عن اعين المفتشين فإنه لن يستطيع تحسينها، ولن يستطيع تطوير اسلحة نووية.

إن البرامج النووية يمكن كشفها جزئيا بسهولة اكثر، وذلك لانها تحتاج لمنشآت كبيرة ودارات كهربائية واسعة. صحيح ان المفتشين يعانون من قصور حقيقي لكنهم يستطيعون ان يحولوا دون حصول صدام على اسلحة نووية. ثم هناك موضوع الامكانيات، فبعيداً عن فقدان الارواح ستكلف الحرب واعادة البناء ما بين 100 الى 200 مليار دولار. وتبلغ فاتورة الحرب من 750 الى 1500 دولار لكل دافع ضرائب اميركي. لا شك ان هناك بدائل كثيرة لانفاق ذلك المبلغ. الواقع اننا نستطيع ان نفعل الكثير لأمننا الوطني بصرف المبلغ على التعليم أو بتمويل حملة كبيرة للترويج للسيارات التي تتحرك بالطاقة الهيدروجينية والسير خطوات في طريق الاستقلال في مجال الطاقة.

لذلك، مع أن بوش قد طرح على نحو بليغ موضوع اننا على حق في غزو العراق، يبقى السؤال: هل من الحكمة ان نفعل ذلك؟ هل هذا حقيقة هو الطريق الامثل لفقدان آلاف الارواح ونحو مائة مليار دولار؟

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»