صدور قرار دولي جديد مستبعد.. وروسيا تفكر بملف يضم الصين والهند لاحقا

TT

ثلاث ازمات دفعة واحدة، فالحلف الاطلسي في فوضى، وكذلك المجموعة الاوروبية، وتتجه الانظار الى مجلس الامن غدا، حيث لا يوجد اتفاق هناك ايضا.

قد يكون السبب المباشر لهذه الازمات العراق. الا ان المواجهة بين اوروبا والولايات المتحدة تعود الى بداية ادارة الرئيس بوش. فالاوروبيون منزعجون من القرار الاحادي الذي اتخذته الادارة في عدد من القضايا الدولية، غير ان فرنسا والمانيا، كما يبدو، يستعملان الحلف الاطلسي كوسيلة ضغط في المواجهة الاوسع المرتبطة بالعراق، وليس معروفا ما اذا كانت مناورتهما سترتد عليهما في نهاية الامر، خصوصا ان الضغوط عليهما تزايدت بطلب تركيا، من الحلف، الالتزام بميثاقه في الدفاع عن اعضائه. وبعد تأكيد اللورد روبرتسون، امين عام الحلف الاطلسي، انه واثق من وحدة دول الحلف والتزامها أمن كل دولة من الدول الاعضاء.

«انه يوم اسود للناتو»، هذا ما قاله لي احد كبار كتاب صحيفة «التايمز» اللندنية مايكل بينيون، وكان يعلق على القرار الذي اتخذته فرنسا والمانيا وبلجيكا يوم الاثنين الماضي، بمنع ارسال صواريخ باتريوت، وطائرات الانذار المبكر اواكس، وربما وحدات عسكرية، للدفاع عن تركيا في حال تعرضها لهجمات عراقية بالاسلحة الكيماوية والبيولوجية، وقالت الدول الثلاث انه من المبكر جدا ارسال هذه الاسلحة، فهي غير مقتنعة بالخطر الذي يشكله العراق حاليا وتفضل اعطاء المجال للتحركات الديبلوماسية، وكما قال وزير خارجية بلجيكا لوي ميشال: «لا نريد الدخول في منطق الحرب».

ويذكر ان قرارات الناتو تؤخذ بالاجماع، واذا اصرت الدول الثلاث على موقفها الرافض، فان الحلف يكون قد بدأ مرحلة موته البطيء.

ويُنظر الى الناتو، منذ تأسيسه، بأنه يربط الدول الاوروبية بالولايات المتحدة وكندا على الطرف الآخر من الاطلسي، ويبدو الآن ان قضية العراق كشفت الخلافات في وجهات النظر بالنسبة لمعالجة هذه القضية وقضايا اخرى.

وتساءل مصدر روسي عن سبب المفاجأة من دعم روسيا للموقف الفرنسي ـ الالماني، فادارة الرئيس فلاديمير بوتين براغماتية جدا، وهي قلقة من امكانية وضع الولايات المتحدة يدها على النفط العراقي، لأن اسعار النفط قد تنخفض بشكل ملحوظ، وهذا يؤثر على الاقتصاد الروسي الذي يعتمد على الاسعار المرتفعة للنفط، وقد يكون هذا هو السبب الاساسي الذي لأجله تعارض موسكو عملا عسكريا ضد العراق.

لكن هل ستتمسك روسيا بهذا الموقف او انها ستلحق مجرى الريح، فاذا لاحظت ان الدعم للخطة الفرنسية ـ الالمانية البديلة كبير، ستمشي معه، واذا رأت ان الدعم اقوى للقرار الاميركي بعملية عسكرية، فانها ستصوت مع القرار؟ يقول محدثي السياسي الروسي: «انه من الصعب على موسكو ان تتخذ اي قرار الآن، ولا يمكنها ان تختار لانها تريد ان تحافظ على علاقات جيدة مع كل الاطراف، فالمانيا من اوائل الدائنين لروسيا، ثم ان الولايات المتحدة مهمة جدا، ولا اعتقد ان الرئيس بوتين يريد ان يترأس المعارضة الدولية لعمل عسكري اميركي ضد العراق، بل هو مرتاح في الاختباء تحت ظل الرئيس الفرنسي جاك شيراك والمستشار الالماني غيرهارد شرودر، لكن اذا قررت فرنسا التصويت الى جانب قرار دولي يسمح بعملية عسكرية، فلا اعتقد بان روسيا ستكون الدولة الوحيدة التي ستلجأ الى حق النقض لمنع صدور هذا القرار».

ويوضح لي احد الخبراء السياسيين الروس، ان السياسة الخارجية الروسية تعتمد على حسابات براغماتية لافتة، فاذا شعر بوتين بامكانية الاستفادة من بلد ما، فانه يرسم سياسة خارجية محددة لتطوير تلك العلاقة.

ويقول، ان ازمة العراق والموقف الروسي منها، ومن اوروبا ومن اميركا، تأتي في وقت يشعر خلاله الرئيس الروسي بخيبة امل من نتائج «مغازلته» للرئيس الاميركي، «فهو ضحى بالكثير، على الاقل هذا ما يعتقده، ولم يحصل على شيء بالمقابل، لذلك فان عدم ارتياحه لمعالجة الازمة العراقية قائم على عدم رضاه عن التقييم الاميركي لاندفاعه».

واسأل محدثي، وهل لهذا السبب يغازل برلين وباريس الآن؟ يجيب: «بالطبع، لانه ادرك انه لا يستطيع وحده مقاومة الضغوط الاميركية ويحتاج الى حلفاء لاظهار عدم ارتياحه للمعاملة الاميركية له في الازمة العراقية، والآن يشعر باغراء لتشكيل نوع من حلف معارض للاميركيين، يمكن ان تنضم اليه الصين وربما الهند لاحقا».

ولا يرى الخبير السياسي الروسي ان بوتين وضع قائمة بالمكاسب التي قد يجنيها من هذا الحلف على صعيد السياسة الخارجية، وقد يفكر بالمكاسب للاستهلاك الداخلي، فهو سيخوض الانتخابات خلال سنة ويريد ان يظهر للرأي العام الروسي بانه يدير السياسة الخارجية وانه يحافظ على المصالح الروسية، ولا يجب معاملته او النظر اليه داخليا كمن باع المصالح الروسية لاميركا، «واظن انه يريد ان يترك انعكاسا بانه مستقل وانه ممثل حقيقي لروسيا العظمى، كما يفهمها الشعب الروسي، وانه هكذا يتعامل مع الولايات المتحدة اثناء الازمات».

ويلفت محدثي الى ان كل محاولات بوتين لتأسيس علاقة اقتصادية معقولة مع اميركا فشلت، في حين انه نجح في تثبيت العلاقة الاقتصادية القوية مع المانيا ومع دول اوروبية اخرى، وان تعاطفه الاقتصادي هو مع هذه الضفة من المحيط».

ويقول مايكل بينيون من «التايمز» البريطانية ان الانقسام الغربي ازداد اتساعا مع الموقف الفرنسي ـ الالماني، اذ يرى الفرنسيون ان ارسال اسلحة الى تركيا يعني اتخاذ قرار بالحرب قبل ان يقدم المفتشون تقريرهم المنتظر الى الامم المتحدة، في حين يقول الاتراك عكس ذلك، فهم يريدون اتخاذ اجراءات الحماية في حال وقعت الحرب، ولذلك استشهدوا، ولاول مرة في تاريخ الناتو، بالمادة الرابعة وقالوا ان امنهم في خطر، ولهذا نرى اليوم هذه الفوضى في الناتو التي اظهرت عمق الخلافات بين فرنسا والمانيا من جهة وبين بقية اعضاء الناتو.

لكن، ماذا عن بلجيكا التي وقفت معهما؟ يقول بينيون: ان بلجيكا تشعر انها جزء من وسط اوروبا، وهي تقف دائما مع الدول الاوروبية الثقيلة الوزن.

اما عن روسيا، فيرى بينيون انها تلعب دورا صعبا ودقيقا. فموسكو تشعر دائما بقلق من اي عمل احادي يقدم عليه الاميركيون، لان كل عمل يتم خارج الامم المتحدة يضعف موقفها الدولي، فروسيا ما زالت تتمتع بوضع دولة عظمى في الامم المتحدة وهي جزء من الدول الخمس الدائمة العضوية، وهو المكان الوحيد في العالم الذي تتمتع فيه بنفوذ سياسي معقول، واي شيء يحدث ويتجاوز الامم المتحدة تراه روسيا يضعف نفوذها في العالم، ولهذا تعارض اي عمل تقدم عليه اميركا من دون تفويض دولي.

ويضيف بينيون: من جهة اخرى، يتمتع بوتين بعلاقة جيدة مع الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش، ولا يريد ان يبدو وكأنه وصل الى مواجهة كاملة مع الاميركيين، ولهذا عليه ان يقوم بدور حساس.

واسأله: لكنه لا يلعب الآن دورا حساسا؟ فيجيب: ليس في هذه الفترة، ويعتمد كل شيء على ما اذا قررت فرنسا او روسيا استعمال الفيتو ضد اي قرار دولي جديد، هذا اذا كان هناك قرار جديد، اذ ليس واضحا بانه سيكون هناك قرار آخر، واعتقد ان هذا صار مستبعدا.

لماذا؟ لان الاميركيين لن يوافقوا على طرح قرار جديد اذا شعروا انه لن يمر.. وقد لا يمر الآن، لان العراقيين اعطوا تلميحا بالتعاون، وقد يكون كافيا لاقناع المشككين بان العراق يتعاون.

وهل يعني هذا اننا سنشهد، في نهاية الاسبوع، مبادرتين واحدة المانية ـ فرنسية، واخرى بريطانية؟ يقول بينيون: هذا ممكن، غير ان المبادرة الالمانية ـ الفرنسية لن تتحول الى قرار يعرض على الامم المتحدة لان الاميركيين سيستعملون حق الفيتو. ويرى بينيون ان الرئيس الفرنسي جاك شيراك، لا يبدو انه يعرف وجهته، فهو الآن صار اسير السياسة الالمانية الرافضة اساسا للحرب. «واعتقد ان الفرنسيين غضبوا من الرسالة التي وجهها طوني بلير رئيس الوزراء البريطاني وزعماء آخرون الى اميركا، من دون استشارة فرنسا. وهم ينتقمون الآن».

اما عن بلير، فيرى بينيون ان موقفه صار صعبا، فاذا لم يكن هناك قرار دولي جديد وقرر الاميركيون الحرب، فانه لن يلقى دعم الرأي العام البريطاني، ثم انه سيصير في مواجهة حتمية مع فرنسا والمانيا في وقت يصر على ان بريطانيا تلعب دورا كاملا في اوروبا.

اما عن صدام حسين، فيقول بينيون، انه لعب على الانقسامات بمهارة بالايحاء انه يتعاون، لكن هانز بليكس غير مقتنع بأنه يتعاون حقيقة.

ويتوقع بينيون ان يوافق الاميركيون على بعض التأخير في شن الحرب، لتهدئة واشفاء الانقسام «واعتقد ان الاميركيين فقدوا صبرهم مع الاوروبيين، لكنهم في الوقت نفسه يحتاجون من اسبوعين الى ثلاثة لتصبح قواتهم كاملة الاستعداد، ولا اعتقد انهم سينتظرون فترة اطول».

من ناحيتهم اعتبر الاميركيون ان ما جرى في الناتو تحد لسلطتهم، فهم الاقوى في الحلف واعتادوا على ان يقرروا ما يجب ان يحدث داخله، ورأوا ان مصداقية الحلف على المحك، وقال لي احد الاميركيين: ان الخلاف ليس بين اوروبا واميركا بل بين الدول الاوروبية بعضها مع بعض.