التجاذب التركي ـ الأميركي

TT

قد يكون من الصعب على الادارة الأميركية رفض شروط الحكومة التركية المالية، وغير المالية، للسماح لقواتها باستخدام اراضيها للهجوم على العراق. لكن من الصعب على الحكومة التركية ايضا، تعطيل الخطة العسكرية الاميركية التي تقضي في ما تقضي، باحتلال شمال العراق عسكريا كخطوة اولى في الحرب. هذا التجاذب بين انقرة وواشنطن، الحليفتين منذ اكثر من نصف قرن، رغم انه قد ينتهي الى اتفاق ما، يشكل نموذجا لما في الحملة العسكرية الاميركية على العراق من مجازفات ومخاطر.

تركيا عضو في حلف شمال الأطلسي، وبالتالي حليفة للولايات المتحدة، لكنها دولة اسلامية والرأي العام التركي في معظمه معارض للحرب. ثم ان مصير الشمال العراقي الكردي، وشبه المستقل اليوم، يشغل بال انقرة التي تخشى من ان يؤدي الوجود العسكري الاميركي فيه، الى اتساع رقعة الدعوة الاستقلالية الكردية الى داخل أراضيها، حيث يعيش ملايين الاكراد ـ الاتراك، ناهيك عن أنبوب النفط العراقي الذي يمر بأراضي تركيا ويوفر لها فوائد مالية كبيرة. وفي هذا السياق، قد لا تكفي المليارات الثلاثون التي تطلبها تركيا من واشنطن، لضمان تهدئة الرأي العام التركي وللتعويض عن خسائر مالية واقتصادية سوف تتعرض لها.

الاحتمال الارجح هو ان واشنطن وأنقرة سوف تتمكنان من التوصل الى تسوية تجمع بين تلبية الشروط التركية وبين عدم اضطرار واشنطن الى تغيير خطتها. بيد ان تركيا ليست الجهة الوحيدة بين حلفاء الولايات المتحدة التي عبرت عن تحفظاتها ولم تخف معارضتها للتصميم الاميركي على تغيير نظام صدام حسين بالقوة. فللأكراد ايضا، تحفظاتهم وشروطهم، وإن كانت ادنى من شروط انقرة. وموقف الدول الأوروبية، وهي الحليفة التاريخية والطبيعية للولايات المتحدة من الحرب، كانت مفاجأة غير سارة للادارة الاميركية.

يبقى القول انه ليس في الافق ما يشير الى استعداد واشنطن لتغيير تكتيكها العسكري وصرف النظر، بسبب الشروط التركية، عن الحرب بعد كل هذه الاستعدادات لها. وتبدو الادارة الاميركية مصممة على المضي في مخططها على الرغم من كل الأصوات التي تؤكد ان الحرب على العراق هي اسوأ الخيارات لضرب الارهاب او للاطاحة بنظام صدام حسين، وان ما قد يترتب عنها، ربما يدخل المنطقة في دوامة لن يستفيد منها احد.