هل احتواء العراق ممكن؟

TT

خلف الجدل الشديد الجاري في أميركا واوروبا حول خوض الحرب ضد صدام حسين، هناك نقطة خلاف رئيسية تتمثل في امكانية احتواء صدام، أو ردعه عن استخدام أسلحة الدمار الشامل التي قد يمتلكها العراق أو لا يمتلكها.

وفي توافق غير مألوف، ثمة من بين المثاليين والواقعيين من يطرح ان صدام قد يكون حاكما بشعا متسلطا، ارتكب أفعالا شائنة بحق شعبه، كما انه أشعل حربا مع ايران واخرى ضد الكويت، لكنه لم يفقد صوابه بعد. فهو يدرك انه اذا ما استخدم أسلحته، فان الولايات المتحدة، وبدعم كامل من العالم، ستنتقم باستخدام قوة ساحقة. حيث لن ينجو من ذلك صدام، كما ان بلده سيتعرض للدمار.

ومن أجل ذلك، فان خوض الحرب الآن، أو في أي وقت آخر، ليس ضررويا (وفقا لوجهة نظر الواقعيين)، وليس مبررا (كما يطرح المثاليون). فقد أمكن احتواء العراق الآن، ويمكن احتواؤه، ولن يكون ذلك صعبا، ايضا، حتى لو طور أسلحة نووية.

يشير هذا الجدل، عمليا، الى أن نظام التفتيش الخاص بأسلحة العراق، والذي بات يمثل الآن محور الجدل الدائر في الأمم المتحدة بشأن العراق، لا يجب أن يكون موضوعا مركزيا. فاذا ما أمكن احتواء صدام أو ردعه، أصبح امتلاكه لتلك الأسلحة شأنا ثانويا.

ويطرح أصحاب هذا الرأي، بان القرارات السابقة التي أصدرها صدام عندما هاجم جيرانه واستخدم أسلحته الكيماوية ضدهم، لا تعني وجوب نزع أسلحته الآن. حيث يصرون على القول بان تلك القرارات بنيت على اساس حسابات منطقية، ان لم تكن خاطئة. وفي كل من تلك الحالات لم يضح صدام بنفسه. كما انه استجاب لتحذير واشنطن له خلال عام 1991، بعدم استخدام أسلحة الدمار الشامل، لأنه أدرك بأن العواقب ستشمل هلاكه.

أما الداعون للحرب، فلا يعتقدون بامكانية احتواء العراق لأجل غير مسمى، أو ردعه بثقة مطلقة. وينبع القلق بشأن صدام، خاصة ما يتعلق بأسلحته النووية، من مستويات متعددة. أحدها انه حتى لو امتنع عن استخدام الاسلحة تلك، فانه سيهيمن على منطقة الخليج، بعدما يدرك الجميع انه يمتلكها. كما انه سيصبح صاحب السيادة في أهم مناطق العالم انتاجا للنفط، وسيتمكن من التأثير على أسعار النفط بمجرد تحريك حواجبه، أو على الأقل، بالتلويح بسيفه.

وقد أوردت تقارير ان صدام بات يعتقد الآن ان الخطأ الذي ارتكبه لا يتمثل في الهجوم على الكويت خلال عام 1990، بل في تنفيذه الهجوم قبل امتلاكه لأسلحة نووية. ويعتقد صدام انه لو كان قد امتلك تلك الأسلحة لما أمكن للولايات المتحدة وحلفائها خوض الحرب ضده.

وهناك أيضا مخاوف من أن يقرر صدام تسليح جماعات ارهابية كتنظيم «القاعدة» حيث سيتسنى له التخطيط لهجوم على الولايات المتحدة في عقر دارها، من غير أن تتضح مسؤوليته عن ذلك الهجوم.

كما يشعر البعض بالقلق من عدم امكانية ردع صدام بالثقة نفسها التي توفرت عندما تسنى ردع روسيا أو الصين عن استخدام الأسلحة النووية خلال الحرب الباردة. وكما يقول الخبير في شؤون منطقة الخليج، كينيث بولاك، فان صدام اعتاد الاستناد الى حسابات خاطئة. وبخلاف الزعماء السوفيات أو الصينيين، الذين تميزوا باتخاذ قرارات متحفظة على الدوام، فان صدام أدمن على اتخاذ قرارات محفوفة بالمخاطر.

وبالرغم من استبعاد فكرة استخدامه لأسلحة الدمار الشامل من أجل تعزيز سلطاته في المنطقة، الا ان ذلك لا يبدو مستحيلا.. وحينئذ ستكون العواقب وخيمة للغاية الى درجة يصعب معها المغامرة. أي أن العالم سيصبح مكانا محفوفا بالمخاطر لو سمح لصدام بتطوير ترسانة أسلحته، وان الأمر سيتطلب، عاجلا أو آجلا، مواجهته. واذا ما صح هذا الطرح، فمن الأفضل مواجهته الآن، قبل أن يمتلك أسلحة نووية.

يميل الكاتب لوجهة نظر الصقور، لاعتقاده بأن امتلاك صدام لأسلحة نووية سيجعل منه خطرا يتهدد منطقة الشرق الأوسط، وسيتوجب علينا مواجهته في نهاية المطاف، وحينئذ ستكون التكاليف باهظة للغاية.

كما انني أميل لرأي خبراء المنطقة، الذين يعرفون من هو صدام، والذين يقولون بأنه شرير فريد من نوعه وخطير للغاية، لدرجة تحتم الخلاص منه ومن نظام حكمه الخطير.

كما انني أميل أيضا لأولئك الذين يطرحون بأن تراجع الولايات المتحدة عن عزمها قد يؤدي فقط الى مزيد من الهجمات التي قد نتعرض لها داخل أميركا.

يمكنكم اعتباري من الصقور المترددين، لكن لا تثقوا في من يقول ان دعوتي هنا لا غبار عليها. أليس كذلك؟

* محرر صفحات الرأي في جريدة «نيوز داي» الأميركية

* خدمة «لوس أنجليس تايمز» و«واشنطن بوست» ـ «خاص بـ«الشرق الأوسط»