حقاً إنها فسيفساء عربية!!

TT

قدم أحد نواب البرلمان المصري سؤالاً أو استجواباً ـ لا أذكر ـ حول أسباب ازدياد حالة الاكتئاب عند الشعب المصري، واتهم فيه الحكومة بأنها سبب في هذا الاكتئاب. وأنا هنا أطور هذا الاستجواب الى بعد أكثر من بعده المصري المحلي، عندما اقترح أن يمتد الاستجواب ليشمل الشعوب العربية جميعها، وأطوره الى بعد مرضي آخر عندما أضيف إليه أعراضا أخرى غير الاكتئاب، مثل عدم الثقة بالقدرة على الفعل، اليأس من الحالة العربية، الإحساس بالدونية أمام شعوب ما زلنا نعتقد أننا أساس نهضتها. وأقترح ألا يطرح هذا الاستجواب على البرلمان المصري ولا على أي من البرلمانات العربية ـ إن وجدت ـ ولكن أن يضاف كبند رئيسي على اجتماعات وزراء الخارجية العرب، واجتماعات القمة القادمة، وأطالب بأن يذيل هذا الاستجواب بطلب تحديد المسؤول عن هذه الحالة، وبشكل أدق، حدود مسؤولية المجتمعين عن هذه الحالة.

في الاسبوع الماضي تحدثنا عن الفسيفساء العربية، وتمنينا ـ وبعض الأماني ما زالت مشروعة ـ ان يتمكن وزراء خارجية الدول العربية في اجتماعهم من أن ينجحوا في أن يجمعوا هذه القطع المتناثرة من الأحجار ـ أو الدول ـ المختلفة الألوان والأحجام والأشكال ـ والأهداف أيضاً ـ في لوحة تمتلك الحد الأدنى من التكامل والتجانس، وتؤكد على أن ما يسمى بالنظام العربي يمتلك القدرة على الاعلان الواضح عن موقف محدد تجاه قضايا تمسه أكثر مما تمس غيره على الكرة الأرضية. كان الأمل في أن تخرج لوحة تعيد الى المواطن العربي الحد الأدنى من الثقة في نظامه، وتساعده على الخروج من حالة اللا ثقة والاكتئاب، كان الأمل في أن يخرج ممثلو القادة بموقف جدير باحترام أبناء «النظام العربي» واحترام «النظام العالمي»، ولكن ما حدث ـ وتابعناه جميعاً ـ كان أشبه بمسرحية هزلية مكررة، كان يمكن لنا أن نضحك منها سابقاً، ولكنها في هذه المرحلة وهذه الأيام لا تدفع إلا الى ضحك هو أشبه بالبكاء.

انتهت اجتماعات وزراء خارجية الفسيفساء العربية، وأثبتت بالفعل ان ما يطلق عليه «النظام العربي» هو حقاً نظام «فسيفسائي» أشبه بلعبة الـ Puzzle، وأن سره ما زال سراً مخبوءاً لم يتمكن إنس بعد من معرفته.

انتهت اجتماعات وزراء خارجية ما يسمى بـ«النظام العربي» بتلك الضجة التي تابعناها جميعاً الأحد الماضي وحتى اليوم، ويجتمع الوزراء ذاتهم مرة أخرى الخميس القادم قبيل اجتماع القمة الذي شهد جدلاً لا يدل إلا على أزمة مزمنة يعاني منها «النظام العربي»، ولا يؤكد إلا على استمرار حالة الاكتئاب العربية العامة.

أظن أن البرلمان المصري رفض مناقشة الاستجواب حول ازدياد ظاهرة الاكتئاب، وأعتقد أيضاً ان اجتماعات العرب القادمة سوف تحذو حذو البرلمان المصري، فلن تناقش ظاهرة الاكتئاب العربي، وفقدان الثقة والاحساس بالعجز، وغالب الظن ان المجتمعين أيضاً لن يجيبوا عن السؤال المهم حول: «الى أي مدى أنتم مسؤولون عن هذه الحالة؟».

[email protected]