اثنا عشر عاما من التحدي العراقي

TT

تحل في السادس والعشرين من الشهر الجاري الذكرى الثانية عشرة لتحرير الدولة العربية المسلمة الكويت من احتلال وغزو بربري نفذته الجارة العربية المسلمة، ايضا، العراق.

تحل الذكرى وسط تحديات وتناقضات وانشقاقات في صفوف تحالفات، بعضها تقليدي وبعضها الآخر حديث، فيما تزدحم امام الذاكرة الكويتية وذاكرة كل من عاصر ذلك الغزو الغاشم، الذي استمر لمدة سبعة شهور، تساؤلات عديدة، جزء كبير منها كويتي وعربي، وجزء آخر دولي ومستقبلي.

ذكرى التحرير، بقدر ما تحمله من بهجة وارتياح للكويتيين والعالم اجمع، فهي تحمل، ايضا، ذكريات مؤلمة ومناظر مفزعة، وكذلك، تساؤلات تجعل الوجدان يعتصر ألما والعقل تعتريه الدهشة.

الواقع المؤلم لسبعة شهور من القمع والسلب والارهاب والقتل وهتك الاعراض، لا يمكن ان يغيب عن ذاكرة البشرية، فالعالم اجمع شاهد على ما نفذه النظام العراقي بعد الثاني من اغسطس عام 1990. الا ان المعادلة اليوم مختلفة تماما عن ما قبل. فالتساؤلات باتت اكثر الما والحاحا من ذاك الواقع المؤلم الذي عايشه الكويتيون والمقيمون والعالم، ايضا. فالتساؤلات تعدت حدود القلق والغرابة والتحليل والتفكير، فهي تساؤلات يرددها صغار بلغوا اثني عشر عاما منذ الغزو والتحرير، ويحملها، ايضا، آباء وامهات وازواج وزوجات، وكذلك، كتاب وصحفيون وخبراء دوليون، بالاضافة الى قاعدة عريضة من البشر خارج الكويت والحدود العربية والاسلامية. جميع هؤلاء يتساءلون منذ اثني عشر عاما عن موعد انتهاء هذه المعاناة والمأساة البشرية، ومتى يمكن اغلاق ملف الغزو العراقي ـ الكويتي؟ ستستمر هذه التساؤلات طالما غاب الدليل والجواب على مصير مئات من البشر الذين اختفوا على ايدي النظام العراقي، ومنذ اثني عشر عاما ظلوا خلف اسوار السجون.

المؤلم في الامر ان ملفا كهذا ـ ومأساة بشرية كالتي تكابدها الكويت منذ سنوات ـ يظل مفتوحا وعالقا بسبب عدم تعاون السلطات في بغداد، وعدم استعدادها لانهاء تلك المأساة. وعلاوة على ذلك نجد ان العالم يشهد اليوم تحديا صارخا وتأزما، بسبب النظام العراقي ايضا، الى جانب عدم تعاون غير مسبوق مع المجتمع الدولي في ما يتعلق بأسلحة الدمار الشامل، وتطبيق القرارات ذات الصلة. قضية وملف اسلحة الدمار الشامل في العراق يعود تاريخها كذلك لاثني عشر عاما، وتحديدا الى قرار مجلس الامن 687، الذي صدر في عام 1991 عقب وقف اطلاق النار، والذي نص على الزام النظام العراقي بتقديم اقرار بما يمتلك من اسلحة بيولوجية وكيماوية خلال فترة خمسة عشر يوما. كما طالب القرار بتصفية كافة اسلحة الدمار وتقديم اقرار بحجمها وعددها والبراهين على تصفيتها. بعد هذا صدرت سلسلة من القرارات يكاد عددها يتعادل مع عدد السنوات التي مرت منذ تحرير الكويت من الغزو العراقي، وكل هذه القرارات تطالب نظام بغداد بالتخلص من اسلحة الدمار الشامل.

اثنا عشر عاما والعالم مشغول بهذه المعضلة التي افتعلها النظام العراقي. فتارة يعلن نظام بغداد عن تحديه للمجتمع الدولي واصراره على عدم وجود اي اسلحة لديه، وتارة يرضخ لقرارات الشرعية الدولية ويقر بأن لديه بعض الاسلحة، وثمة بعض التجارب لاغراض بحثية وسلمية! ويعود بعد ذلك لاثارة العراقيل امام لجان التفتيش، ويرفض تحليق الطائرات الاستكشافية، ويتراجع بعدها ويعلن عن موافقته على التفتيش الجوي.

هكذا سيظل تعامل النظام العراقي مع المجتمع الدولي حينا باستخفاف، وحينا بالكذب والحيل، وحينا آخر بلعب دور الضحية التي تتعرض للمؤامرة الامريكية والبريطانية، والتمثيل على المجتمع الدولي بأدوات ووسائل مختلفة، كما فعل يوم تقديم رئيس لجنة التفتيش ورئيس وكالة الطاقة تقريرهما الى مجلس الامن باصدار قانون بمنع وحظر استيراد او امتلاك اي مواد مساعدة لصنع وتطوير الاسلحة البيولوجية والكيماوية، وكأن ثمة قطاع خاص في العراق اليوم، او ان اسلحة الدمار التي استخدمت في حلبجة وضد ايران، لم تكن من استخدام النظام العراقي نفسه وانما من القطاع الخاص، ممثلا بقاعدة عريضة لشركات ومؤسسات تجارية مملوكة لافراد، وهو المستحيل بحد ذاته.

تقريرا بليكس والبرادعي الى مجلس الامن يؤكدان حقيقتين: الاولى ان التعاون العراقي لم يكن كاملا وشاملا. والحقيقة الثانية، ان ثمة اسلحة دمار شامل في العراق، وثمة اسلحة لم تثبت تصفيتها والتخلص منها. وهاتان الحقيقتان تؤكدان خطورة الوضع في العراق، فالقليل من الاسلحة البيولوجية والكيماوية لا يقلل من حجم تأثيرها لو تم استخدامها. كما ان عدم وجود براهين على تصفية والتخلص من اسلحة مثيلة، ينذر بخطر على شعب العراق، وكذلك على امن واستقرار منطقة الخليج ككل.

حالة التشدد التي تتخذها دول عديدة ضد النظام العراقي، واجواء عدم الثقة التي تسيطر على علاقات المجتمع الدولي مع نظام بغداد، سببها النظام نفسه، والافعال والشواهد على ذلك عديدة. وسيظل الوضع على ما هو عليه، وربما اسوأ. ولا ينبغي بأي حال من الاحوال السماح لهذا النظام بالتمادي في التعويل على ان الزمن، واصدار مجموعة قوانين وبيانات في بغداد، وكذلك في بعض البلدان العربية، وتباين مواقف بعض البلدان الاوروبية، قادرة على جعل النظام يحقق مكسبا ويستمر في مؤامرته وسياسته العدائية ضد شعبه وجيرانه.

النظام العراقي وحده الذي ألحق شرخا بالصف العربي، والمفاهيم والقيم. ووحده الذي وضع نفسه اليوم في هذا الوضع، وامام هذه المواجهة، وعليه ان يدرك ان الخروج من هذا الوضع، يجب ان يكون على حسابه وليس على حساب دول ومصالح اخرى ومستقبل الشعب العراقي.

* كاتب كويتي