أخيرا.. رئيس وزراء لفلسطين.. لكن كيف ومن أين؟

TT

في 2002/5/17 نشرت «الشرق الأوسط» مقالا لي بعنوان (الهزيمة الكبرى والمخرج الأخير) تضمن وجهة نظر ملخصها ان امام السلطة الوطنية الفلسطينية مخرجا واحدا من عنق الزجاجة الذي يكاد يخنقها، وهو ان «يدعو الرئيس عرفات جميع قادة الفصائل الفلسطينية والمستقلين الى طاولة واحدة ويبلغهم بمنتهى الصراحة ان الوضع الفلسطيني لا يسمح بالحرب، والوضع الدولي لا يسمح بالعناد، والوضع العربي لم يعد قادرا على تحمل افعال وارتكابات بعض الفلسطينيين» وان يعيد بناء الادارة الفلسطينية. وان يتم اعتماد ميثاق شرف يقوم على اساس ان خيار السلام هو الخيار الاستراتيجي الوحيد المتبقي، ما دام ان خيار الحرب والتحرير الكامل لم يعد قائما. وطالبت في ذلك المقال ان يبحث الرئيس عرفات عن رئيس تنفيذي لحكومة فلسطينية يتم التوافق حولها، وتمنح صلاحيات ادارة الازمة والحل.

لقد مر على ذلك المقال حوالي عام كامل، ولم نسمع من عرفات كلمة واحدة توحي او توافق على ما يطالب به الفلسطينيون، ثم سمعناه بالامس يوافق على تشكيل حكومة وتعيين رئيس حكومة، لكن بعد ان طلب منه الامريكيون والبريطانيون والاسرائيليون ذلك كشرط من شروط التفاتهم الى القضية الفلسطينية.

من المؤسف ان الانسان الفلسطيني لم يعد قادرا على فهم اساليب الرئيس عرفات في الحكم. فعندما يطالبه الفلسطينيون بشيء يرفض، او يلتزم الصمت، اي عدم الرضا، بينما يقول (نعم) لأي شرط انجليزي او امريكي. ألم يكن افضل له ولنا ان نختار بملك ارادتنا رئيسا للحكومة ووزارء نعرفهم ويعرفون مشاكلنا بنزاهة وصدق من ان يفرض علينا هذا من بلير او بوش او شارون، ونؤخر سنة كاملة من عذابنا؟ ام اننا نطبق المثل العربي الذي يقول: «البئر القريبة لا تروي»؟

الحقيقة التي لا بد من الاعتراف بها هي اننا سررنا بقرار الرئيس عرفات القبول بتعيين رئيس حكومة فلسطين، سواء كان ذلك بضغط من بلير وبوش وشارون، او نزولا عند رغبة الجماهير. فقد عودنا الرئيس عرفات انه يعرف كيف ومتى يحني ظهره للعاصفة كي يوفر ما باستطاعته من خسائرها وويلاتها، من دون ان يفقد جرأة القائد وعنفوان الجماهير.

وما دام الامر كذلك، فسوف يزيد سرورنا ان يحسن الرئيس عرفات اختيار رئيس الحكومة العتيد. واذا كان لنا ان نقدم له النصح، فإن خير من يمثل الشعب الفلسطيني اليوم، كرئيس لحكومته التي ستأخذ على عاتقها اعادة بناء الحجر والبشر، هو رجل معروف في الوسط الفلسطيني وعلى الصعيدين العربي والدولي، ويجب ان يكون نظيف الكف والسمعة، وان يكره المال الحرام، وتدخين السيجار والحسد والغيرة والتجبر والتكبر.

يجب ان يكون متعلما ومثقفا، ومتواضعا، له اذنان تسمعان ولسان عفيف، قليل الحركة، وله قلب يخفق بالحب والعاطفة. وان يكون ديمقراطيا يعترف بخطئه اذا اخطأ ولا يركب رأسه اذا كان على حق.

ويجب ان يكون، مثلا، من كبار رجال الاعمال الفلسطينيين، وما اكثرهم، وما اكثر ما لبعضهم من علاقات دولية واقليمية على افضل وارقى ما تكون العلاقات.

وفوق هذا وذاك يجب ان يكون موضع ثقة الرئيس عرفات والعكس بالعكس، اذ انه من دون هذه الثقة المتبادلة، يصبح العمل الحكومي اشبه بحديث الطرشان.

نريد رئيس حكومة يتقي الله في هذا الشعب الصابر الصامد المكوي على نار الوعود الرنانة.

نريد رئيس حكومة بعيدا كل البعد عن الوجوه التي سئمنا رؤيتها كل يوم، والتي تتصرف كموظفين عند رئيس الدولة.

عندما يكون لفلسطين رئيس حكومة من هذا النوع من الرجال يحظى باحترام الجميع، عندئذ فقط تعرف المساعدات الدولية طريقها الى الناس، وتعرف طاولة المفاوضات مفاوضا يتمسك بحق شعبه لا بحقه الشخصي ومصالحه الكثيرة، وحينها نبدأ جميعا العد العكسي نحو الدولة الحرة، السيدة، الديمقراطية، التي طال انتظارها.