دول عدم الانحياز أمام مسؤولياتها

TT

مؤتمر قمة يحضره رؤساء مائة واربع عشرة دولة ـ او من يمثلهم ـ مفترض فيه تشكيل عنوان بارز بين الاخبار او في الصفحات الاولى من الصحف، اما القمة الثالثة عشرة لدول عدم الانحياز التي انتهت اجتماعاتها، امس، في العاصمة الماليزية، فكادت اخبار مناقشاتها وبيانها الختامي تغيب في وسائل الاعلام، محجوبة بما يدور في مجلس الامن من نقاشات حول الحرب على العراق والاستعدادات لها والمناورات السياسية لتلافيها. وانها لظاهرة مؤلمة ومؤسفة، فالشعوب الممثلة في هذه القمة تشكل اكثر من نصف البشرية، ولكن صوتها، او بالاحرى، شكواها، اختفت وراء الضجة العالمية التي اثارتها عملية سبتمبر (ايلول)، وصوت قرقعة السلاح على حدود العراق.

لقد تبارى المؤتمرون في كوالالمبور، في ادانة الدول الكبرى، وبنوع خاص الولايات المتحدة، وتحميلها مسؤولية ما تعانيه دولهم ودول العالم الثالث، عموما، من ازمات واضطرابات. وكان ابلغ المهاجمين وأعنفهم رئيس الوزراء الماليزي، مهاتير محمد، الذي اعتبر خطابه وصيته السياسية، نظرا لقرب موعد تخليه عن الحكم بعد عشرين عاما متواصلة فيه، والذي قسا فيه على الولايات المتحدة، وحمل اسرائيل مسؤولية كبرى في توليد جو الغضب والقهر الذي انطلق منه الارهاب. كما حمل الدول الكبرى المنتجة للسلاح مسؤولية بيعه لدول العالم الثالث، وجني مئات المليارات من الارباح. ولم ينس حسابه القديم مع البنك العالمي والعولمة والنظام الاقتصادي العالمي الجديد، الذي يغني الاغنياء ويفقر الفقراء ولكنه لم يعف دول عدم الانحياز من مسؤولية ما آلت اليه من اوضاع متخلفة وما تشكو منه من ازمات. فلو ان هذه الدول لم تسئ استعمال استقلالها وحريتها ولم تتبعه بالثورات والانقلابات، لما كانت شعوبها اليوم تعبة، كما قال ان معارضة دول عدم الانحياز للحرب وللاستراتيجية الاميركية الجديدة في مقاومة الارهاب، هو اقل ما يمكن ان تقدمه لشعوبها التعبة والرافضة لهذا النوع الجديد من الهيمنة على مصائر الشعوب والدول من قبل دولة كبرى واحدة. ولكن ثمة حقائق تجلت في هذا المؤتمر الثالث عشر لرؤساء دول عدم الانحياز، منها ان وزن كتلة دول عدم الانحياز في ميزان القوى في العالم قد خف كثيرا عما كان عليه، يوم نشأت دعوة عدم الانحياز في اواسط الخمسينات من القرن الماضي بالرغم من تضاعف عدد هذه الدول ثلاث او اربع مرات ومنها ان فكرة او مبدأ عدم الانحياز فقد الكثير من اهميته او مبرراته، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي وانتهاء الحرب الباردة. ومنها، ايضا، ان الدول التي ما زالت تجد مبررا للبقاء في مجموعة عدم الانحياز لم تجد امامها سوى دولة جبارة واحدة، هي الولايات المتحدة، لتحملها مسؤولية ما تعانيه من مشاكل وما يعانيه العالم من قلق على مصيره، ومنها، اخيرا، اعترافها بأن حكامها وحكوماتها وأنظمتها مسؤولة، ايضا، عما اصابها ويصيبها.