دور القمة العربية في مواجهة الأخطار الشاملة

TT

الخلافات التي نشبت وأدت إلى تأجيل انعقاد القمة العربية الاستثنائية التي دعت مصر لعقدها يوم 22 فبراير في شرم الشيخ.. والاكتفاء بعقد القمة الدورية يوم أول مارس.. التي كان محدداً لها أن تعقد في البحرين يوم 26 مارس لا يجوز أن تسحبنا إلى دفع الأمور في طريق الخلافات، أو الاستهانة بفكرة عقد القمة العربية، وإنما يجب أن تكون حافزاً لنا على حسن الاستعداد، والسعي من أجل إذابة الخلافات الفرعية حتى تتدعم قوميتنا العربية، وتؤدي دورها في تحقيق أهداف الأمة العربية.

ولاشك أن الدعوة لمؤتمر قمة عربية في هذه الظروف الصعبة التي تجثم على المنطقة ونتوقع فيها احتمال الحرب ضد العراق، ومواصلة حكومة اسرائيل عدوانها البشع ضد شعب فلسطين.. هي دعوة صحيحة في توقيت صحيح.. لأنه اذا لم تجتمع القمة في هذه الظروف فإن التساؤل المباشر هو.. ما فائدة القمة إذن؟ ومتى تجتمع؟

والدعوة إلى مؤتمر استثنائي.. كانت هي الظاهرة السائدة في مؤتمرات القمة العربية حيث عقدت 14 قمة عادية، 12 قمة استثنائية.

وفي احصاء سريع للمؤتمرات الاستثنائية التي فرضت على القمة فرضاً نجد أنها بدأت بمؤتمر قمة في بيروت الذي عقد في نوفمبر 1956 لدعم مصر لمواجهة العدوان الثلاثي، ومؤتمر القاهرة 1964 الذي دعا إليه جمال عبد الناصر لمواجهة محاولة اسرائيل لتحويل مجرى نهر الأردن، وتوالت بعد ذلك المؤتمرات الاستثنائية التي يعتبر أشهرها مؤتمر الخرطوم في أغسطس 1967 بعد العدوان الاسرائيلي، والدار البيضاء ديسمبر 1969 للرد على احراق المسجد الأقصى، ومؤتمر القاهرة في سبتمبر 1970 لوقف المواجهات الأردنية الفلسطينية ومؤتمر الدار البيضاء في مايو 1989، الذي تقرر فيه عودة مصر للجامعة العربية وأخيراً مؤتمر القاهرة في أغسطس 1990 لبحث العدوان العراقي على الكويت.

وكانت الدعوة التي وجهت لعقد مؤتمر استثنائي في هذه الأيام هي التجربة الأولى منذ تقررت المؤتمرات الدورية في أكتوبر .2000 وكان هذا دليلاً على خطورة القضايا التي تواجه الأمة العربية مما دفع الى الاستعجال.. ايماناً بأن مؤتمرات القمة هي ضرورة يجب أن تسعى إليها لأنها تثمر قرارات ايجابية، قد تكون أحياناً دون مستوى المطالب الشعبية.. ولكنها أبداً لا تؤتي بنتائج سلبية.. وعدم عقد هذه المؤتمرات هو أمر يضعف من قدرة التضامن العربي الذي يظهر في وقت الشدة، والذي يعتبر هو السلاح الأول الذي تملكه الأمة العربية.. والتخلي عنه أو التقاعس في الدعوة اليه يقدم خدمة غير مباشرة لجميع الذين لا يسعدهم أن تتحد الأمة العربية، رغم كل ما تملكه من قدرات ومقومات.

واذا راجعنا قرارات مؤتمرات القمة العربية لوجدنا أنها قد قررت على سبيل المثال انشاء قيادة عربية موحدة عام 1964، وأذابت الخلافات العربية في مؤتمر الخرطوم 1970 ودعمت الدول التي أضيرت من العدوان بدعم مادي قدمته السعودية والكويت وليبيا.. وأنهت كافة العمليات العسكرية التي نشبت في سبتمبر «أيلول الأسود» كما قرر مؤتمر القاهرة عام .1970 واعتبار منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد لشعب فلسطين، وقرار انشاء سوق عربية مشتركة.

ورغم أن هذه القرارات لا ترقى إلى المستوى المطلوب الذي تتطلع إليه الشعوب من الجامعة العربية التي أنشئت منذ أكثر من نصف قرن قبل الأمم المتحدة.. إلا أنها قرارات تستحق التشجيع والمتابعة لتحقيق أهداف وآمال الأمة العربية.. وترقى بالجامعة العربية الى مستوى التنظيمات الاقليمية التي تطورت وأثمرت نتائج طيبة لشعوبها مثل «الآسيان» لدول جنوب شرق آسيا، والاتحاد الأوروبي الذي أصبح له كيان تنظيمي ثابت واقتصاد مشترك وعملة واحدة.

والمؤتمر القادم هو رابع قمة تعقد بعد انتهاء الحرب الباردة التي كانت تستقطب بعض الدول العربية الى سياسة ونفوذ أحد المعسكرين الرأسمالي والاشتراكي.

تغيرت الأمور في التسعينيات من القرن العشرين وأصبحت الدول العربية جميعاً تواجه محاولة أميركا للهيمنة على العالم، مما يدفع الى ضرورة وأهمية تقاربها واتخاذها موقفاً موحداً ومشتركاً يكون له تأثير في مجال السياسة الدولية والاقليمية.

ويأتي انعقاد المؤتمر في ظروف حاسمة لمحاولة تفادي الحرب وترجيح كفة السلام حيث تحتشد معظم شعوب العالم في مظاهرات معادية للحرب ومناصرة للسلام في معظم العواصم والمدن الكبرى في ظاهرة غير مسبوقة مما يدعو الدول العربية الى ضرورة وأهمية التجاوب مع هذا التأييد الجماهيري العريض، واتخاذ موقف ينال تقدير واحترام الرأي العام العالمي.

ولاشك أن حضور جميع قادة الدول العربية من دون استثناء للمؤتمر هو أمر في غاية الأهمية والحيوية لأنه يظهر أن الخلافات التي حدثت خلال الفترة الماضية لم تكن أكثر من سحابة صيف عابرة.. وأن اجتماعهم يجيء تعبيراً عن موقف تضامني مطلوب فيه التزام الدول العربية برفض العدوان على العراق والكويت وبالحفاظ على أمن وسلامة ووحدة أراضيهما.. ومواصلة السعي مع جميع الدول وخاصة أعضاء مجلس الأمن والاتحاد الأوروبي وحركة عدم الانحياز من أجل منع الحرب ومنح المفتشين الوقت الكافي لانجاز مهامهم.

ولا يجوز لليأس أن يثقل قلوبنا، ونعتبر أن الحرب العدوانية ضد العراق ومواصلة اضطهاد شعب فلسطين هما أمران حتميان لا جدال فيهما.. لأن الأمور يصعب أن تمضي بهذا اليسر نحو العدوان ونزيف الدماء طالما هناك دول تتخذ موقفاً يستند إلى الشرعية الدولية وميثاق الأمم المتحدة، ويرفض موقف الادارة الأميركية التي تريد الهيمنة وحدها على مصير ومستقبل العالم، مثل فرنسا وألمانيا وروسيا والصين وغيرها من دول العالم، وطالما هناك أصوات الملايين من الجماهير متعددة الجنسيات والأديان قد ارتفعت في كل مكان معادية للحرب ومناصرة السلام ورافضة للهيمنة الأميركية.. وطالما أن النظام العراقي قد بدأ يستجيب للشرعية الدولية وينفذ المطلوب في القرار .1441

وأخيراً.. فإن دور القمة العربية في مواجهة الأخطار الشاملة التي تتعرض لها المنطقة والأمة العربية يجب أن يكون واضحاً وحاسماً لأن في ذلك استجابة للمسؤولية الوطنية والقومية، في وقت يحتاج فيه العالم الى سماع صوت العرب أصحاب الأرض التي تعمل أميركا على تفجيرها بالحرب.