هل في الاستسلام رجولة؟

TT

هل من الرجولة ان يعلن الرئيس العراقي عن اعتصامه في عاصمته ويعلن عن عزمه على القتال من مخبئه في احد اقبية قصره في بغداد؟

هل من الشجاعة ان يترك عاصمته نهبا للغزاة تحت دعوى بطولات المواجهة؟

لنقلها، على طريقة الرئيس نفسه الذي يحب ان يفاخر برجولته وهذا وقت امتحانها، هل من الرجولة ان يضحي بآلاف من مواطنيه يدعهم يواجهون الآلة العسكرية الجبارة وهو قابع تحت الأرض مع ولديه؟

نحن نعرف ان امبراطور اليابان هيروهيتو، الزعيم الذي رأى ان بلده سيحيق به الخراب، عقب ان محيت مدينتا هيروشيما ونجازاكي بالقنابل الذرية، استسلم مقابل سلامة شعبه وبلده.

سألت سعوديا اقدر حكمته، هل لنا في التاريخ الحديث حالة مشابهة؟ هل ضحى زعيم عربي بنفسه من أجل مواطنيه؟

روى لي حادثتين في التاريخ السعودي تمثلان قمة التضحية. قال ان الحاكم السعودي الامام عبدالله بن سعود واجه في عام 1817 حملة عسكرية من القوة العظمى آنذاك، التركية، قادها ابن محمد باشا الذي زحف الى العاصمة السعودية، حينها، الدرعية وبعد حصار قاس لاح للامام عبدالله انه سيخسر المعركة بسبب الفارق الهائل بين القوتين وليس امامه الا احد حلين، اما ان يقاتل حتى آخر طفل في المدينة او ان يضحي بنفسه لقاء حماية مواطنيه. ويورد هنا المؤرخ ابن بشر القصة بقوله ان الامام عبدالله «... بذل نفسه للروم وفدى بها النساء والولدان والاموال». فأخذه الاتراك الى الاستانة حيث اعدموه هناك.

اما الزعيم الثاني فهو الامام فيصل بن تركي الذي واجهت دولته نفس التحدي حين جاءته قوات حاشدة يقودها خورشيد باشا، وبعد حصار عنيف عرض عليه ممثل الاستانة ان يسلم نفسه لقاء حقن دماء اهل بلدة الدلم، حيث كانت توجد قواته المحاصرة، فأمن دماء الاهالي وتعهد الا يتعرض لاملاكهم ووافق خورشيد باشا بناء على طلب الامام فيصل ان يمنح من معه الأمان، واقتيد الامام فيصل بن تركي ومعه اخوه واولاده وابناء اخيه حيث وضعوا قيد الاقامة الجبرية.

هاتان حالتان مشابهتان للوضع الذي نراه اليوم في قضية الحملة العسكرية الاميركية على العراق حيث تتفاوت القوتان، وحيث آل الوضع اليوم الى احد حلين، اما ان يأخذ الرئيس موقفا مشرفا وتاريخيا فيعرض استعداده للاستسلام وقبوله الذهاب الى بلد آخر معززا مكرما، فحاله افضل من حال الامام عبدالله الذي علم عند موافقته انه سيعدم في ساحة عامة، او ان يصر صدام على مقاتلة هذه الجيوش الجبارة في معركة نعرف سلفا انها ستلحق ضررا بالغا بالشعب العراقي وقد تدمر عاصمة بلاده، لن يكسبها مهما بلغ عمق اقبيتها وممراتها السرية.

ان على العرب ان يضعوا الرئيس العراقي امام حقائق اليوم الخطيرة، وان يحملوه مسؤولية القيادة التي لا تزال في يده، وان يعلم ان واجبه ان يحمي هذه الانفس البريئة لا ان يضحي بها.

والعرب الذي يتعامون عن هذه الحقائق الواقفة كالجبال يدفعونه نحو قتل جماعي لن يرحمهم التاريخ بسببه. فقد بلغت الاحداث حدا صار العراق كله، لا شخص الرئيس وحده، في خطر. صار الخيار اليوم اما ان ننقذ العراق او ندفن العراق من اجل صدام، الذي نعلم سلفا انه لن يحارب شخصيا بل سيدير المعركة من قبو مكيف.