رسالة مغلقة وأخرى مفتوحة

TT

لي رسالتان. الأولى مغلقة في موقع الايميل من محمد كرم الدين يقول انه لأكثر من عشر سنوات جعل قراءة هذه الزاوية غذاءه اليومي ويعتبرني تفاحة الجريدة. ويرجوني الا ابخل عليه بأكل شيء منها كل يوم.

يا كرم الدين تكرم عينك. كل ما شئت ولكن تذكر «إن كان حبيبك تفاحة فلا تأكله كله).

ولكنك عازم على ان تأكلني لبا وقشرا بالسؤال الذي القيته عليّ: ما الموقف الذي ينبغي ان نتخذه من ازمة العراق؟

سأغامر واجيبك. المفروض في العراق ان يصبح أغنى بلد عربي. واعتبره اكثر المراقبين مؤهلا لقيادة العالم العربي. مضت على النظام الحالي 34 سنة في الحكم انتهت بأن حولت العراقيين الى شحاذين وجائعين ومشردين. اربعة ملايين من النخبة هجرت البلاد. مليون مواطن مات في حروب خاسرة. تقسمت البلاد لثلاثة اقسام. الشمال مستقل والجنوب شبه مستقل. الدولة ستبقى عسكريا تحت رقابة الامم المتحدة، والى حد ما اقتصاديا ايضا. لم تعد عمليا دولة مستقلة.

المفروض فيمن جر البلاد الى هذه الهاوية ان يعترف بفشل سياسته ويستقيل ولا سيما بعد ان اصبحت استقالته المطلب الاساسي للفرج وتفادي حرب مهلكة. ولكنه لم يفعل. فما العمل؟

لا فائدة من الغضب والقاء اللوم على الغرب عما حصل، أو التمني بان النظام سيغير سلوكه في المستقبل اذا ترك. هذه افكار مسرودة. الواقع يتطلب تغيير النظام لانقاذ العراق، المطلوب الآن البحث عن وسيلة لتغييره. الافضل هو ان يبادر النظام الى التنحي ذاتياً. لم يحدث ذلك. الثاني هو ان تبادر الدول العربية للضغط بصورة عملية وجدية لاقناع النظام بالتنحي. لا أمل في ذلك. الثالث هو ان ينتفض الشعب ويزيل النظام بنضاله. هذا ايضا مستبعد بعد ان كرس النظام كل ثروة البلاد وطاقاتها للبقاء في الحكم واخصاء الشعب. لم يبق غير واحد من اثنين. إما ان نترك الاسرة الدولية تقوم بتغيير النظام بالقوة أو ان نتقبل استمرار العراق بوضعه الحالي.

بقيت كلمة تقال للعرب والفلسطينيين بصورة خاصة، انهم يتصورون ان العراق اصبح قوة عسكرية جبارة ستضرب اسرائيل. هذا وهم من الاوهام الفلسطينية الكثيرة. كل هذا التدهور في الساحة العربية والقضية الفلسطينية واحوال الفلسطينيين يعود الى نزوة العراق في غزو الكويت. كل صاروخ فاشل اطلقه على اسرائيل قبضت عنه تعويضا بخمسة ملايين دولار. والعراق اصبح الآن عسكريا تحت رقابة دولية مشددة. وسيبقى النظام مشغولا طيلة بقائه في الحكم بشيء واحد هو بقاؤه في الحكم.

والآن ماذا عن الرسالة المفتوحة، انها موجهة للرئيس العراقي. ما الشدة يا رسول الله؟ دعنا مما حل بالعراق وشعبه. ولكن ما الذي جنيته انت يا سيدي؟ ابنك البكر اصبح في حكم المقعد. بناتك أرامل. احفادك يتامى. ابواهما قتلا كخونة. العديد من اقاربك واصحابك المقربين قتلوا أو اعدموا. انت لا تملك حتى الحرية التي يملكها اي شحاذ، وهي الخروج من البيت آمنا، مطمئنا، متى شاء والى حيثما شاء. حتى طعامك وشرابك اصبح غصة وانت حولك كل هذه الهموم والمشاكل والمخاوف. ما الشدة يا رسول الله؟ لم لا ترحل مع أهلك وذويك واصحابك لتقضوا عيشا هنيئا رخيا. بعيدا عن وجع الرأس. واحدا من مئات الساسة الذين ساسوا العراقيين وفشلوا. اجلس على شاطئ جميل واكتب مذكراتك لتكون احسن ما خرج من بين اناملك.