حديث سام عن الحرب

TT

ما الذي يقود هذا الاندفاع نحو الحرب في العراق؟ قبل عشر سنوات، وعشية حرب الخليج الاخيرة زعم المحافظ المثير للقلاقل بات بوكنان أن اسرائيل و«اركانها الحقيقيين» هم الذين يلقى عليهم اللوم. فشبت عاصفة نارية اعلامية تحمل ادانات تتدفق من كل الوان الطيف السياسي. أما الآن، وعشية نشوب حرب خليج جديدة فقد أحيا بوكنان الزعم السابق، لكن هذه المرة يقوم بذلك فيما تصحبه جوقة من الاصوات من اليسار واليمين والوسط لتردد صدى ما يقوله.

وعلى التخوم العتيقة لليمين القديم فإن الاعتقاد بأن اسرائيل وعصبتها القوية من المؤيدين الاميركيين صمموا الازمة الحالية مع العراق، صار اعتقادا مقبولاً. فبوكنان يكتب بأن الرئيس بوش صار زبوناً لدى رئيس الوزراء الاسرائيلي آرييل شارون، وأن «حزب المحافظين الجديد للحرب» قد حوّل مجلته الجديدة «اميركان كونسيرفاتيف» الى منبر منتظم لهؤلاء الذين يشتركون في هذا الاعتقاد. ويعتبر أحد كتابها، البروفيسور في التاريخ بجامعة الينوي، بول شرويدر، ان من الامور البديهية ان خطة الغزو «قد تم الترويج لها لمصلحة اسرائيل».

وكتب شرويدر يقول «بالتأكيد تم دفعها (خطة الغزو) بقوة على ايدي عدد من ذوي النفوذ المؤيدين لاسرائيل من شاكلة صقور المحافظين الجدد داخل الادارة وخارجها (ريشارد بيرل وبول وولفوويتز ووليم كريستول وآخرون).

ويثني على هذا التقييم الكاتب المحافظ جورج آلان غوير الذي يظهر عموده اسبوعياً على صفحات «واشنطن تايمز» إذ يكشف «كيف أن المتعصبين من المحافظين الجدد المتحلقين حول الادارة والمسعورين من مؤيدي اسرائيل في البيت الابيض والبنتاغون» يخططون لشن الحرب ضد العراق ثم يعملون على «دمقرطة كل منطقة الشرق الاوسط، وإن استدعت الضرورة استخدام الوسائل العسكرية، وذلك بهدف تأمين اسرائيل ـ آرييل شارون».

وفي نفس الوقت فإنه من جانب اليسار، حيث العديدون لا يعرفون لماذا تكون ادارة بوش راغبة بشدة في الاطاحة بصدام حسين، بعيدا عن تكون مدفوعة بواسطة الاسرائيليين ورصفائهم من المحافظين الجدد، فإن اشتراكية الاغبياء صارت تتمتع بشيء من بريق الموضة. وكتب جيسون ويست في «ذي نيشان» ان «جوقة الهجوم على العراق» التابعة لفريق بوش تعمل بتعاون وثيق مع «صهاينة اليمين المتطرف الاميركيين»، موقعين على «مقالات تعتقد جازمة انه لا يوجد فارق بين مصالح الامن الوطني الاسرائيلي والامن الوطني الاميركي». وقد نجح المثقف الليبرالي المحترم يان بروما أن يضع بين الاسباب التي تجعل الولايات المتحدة جادة في شن الحرب على العراق «الهستيريا اليهودية ـ الاميركية».

كما ان هذه ليست بمناسبة احتفالية للاستحواذ الكامل على الهامش السياسي. إن كريس ماثيو القدير صاحب البرنامج المفتوح للجمهور وضع اللوم في الحرب المرتقبة على «المحافظين في الخارج، هناك، بعضهم من يهود من المتشددين في السياسة الخارجية. انهم يعتقدون اننا يجب ان نقاتل العرب ونهزمهم، ويعتقدون أنه اذا لم نقاتل العراق فإن اسرائيل ستكون في خطر». ويصل ماثيو الى حد الاعتقاد بأن شارون «يكتب خطابات بوش احياناً» وأن وزراء شارون «يشاركون مكتب نائب الرئيس ووزارة الدفاع الفراش».

وقد وصف الكاتب صاحب العمود الصحافي روبرت نوفاك نزاع الولايات المتحدة مع العراق بـ«حرب شارون»، مضيفا ان اعتبار مستشارة الامن القومي كونداليزا رايس حزب الله كأكثر المنظمات الارهابية خطراً، يوحي بأن «حرب الولايات المتحدة ضد الارهاب» التي تتهم بأنها ذات مركزية ـ عراقية هي بالفعل ذات مركزية اسرائيلية.

وقد قال الجنرال السابق جاري هارت مرتين في خطب القاها مؤخراً «يجب علينا الا ندع دورنا في العالم يملى علينا بواسطة اميركيين من الذين يجدون في كثير من الاحيان أن من الصعب عليهم التمييز بين ولائهم لأوطانهم الاصلية وولائهم الى اميركا ومصالحها الوطنية».

هل كل هذا يضيف شيئاً الى صدى الاتهام الذي يوجهه تشارلس ليندبيرج بأن الصخب الذي دفع بشن حرب ضد هتلر قد حركه «البريطانيون واليهود وادارة روزفلت»؟ ليس بالضرورة.

إن سؤال كيف وصلت ادارة بوش الى حافة الحرب مع صدام حسين، والى اي مدى قاد النفوذ الاسرائيلي الى ذلك، يبقى سؤالا مشروعاً يحتمل وجود حيز كبير من الاختلاف.

إن المشكلة هنا تتعلق بمدى تورط بعض اعضاء فريق بوش في تعاملات مع اسرائيل ومدى اتساع ذلك ليمثل ولاء مزدوجاً. إن التهمة بأن مؤيدي «اسرائيل المسعورين» في الادارة الاميركية يقفون خلف التوجه نحو الحرب هي امر غريب. إن وولفويتز وبيرل وزملاءهم من اليهود المحافظين الجدد هم بالتأكيد من الصقور، ولكن ليس فقط فيما يتعلق بالعراق. إن رأيهم حول توسع واجبات اميركا في ما وراء البحار قادهم في الماضي لتأييد التدخل في اي مكان كانت فيه مصالح اميركا ومُثلها معرضة للتهديد: غرانادا وافغانستان ونيكاراغوا والبوسنة وكوسوفو ـ وفي الحالتين الاخيرتين كان التدخل لهدف واضح هو حماية مسلمين. وقد كانت للعديد من هؤلاء المسؤولين خلافات شديدة مع رصفائهم الاسرائيليين ـ من بينها الخلاف حول موضوع ما اذا كانت ايران أو العراق يمثلان خطراً أكبر. ثم، أيضاً، فإن المسؤولين على مستوى الوزارات الذين يقودون الحوار الحالي هم في معظمهم من المحافظين من غير اليهود، وهم طراز المحافظين الذين يصعب وصفهم بأنهم «جدد». وفي الحقيقة فإن الزعم بأن مسؤولين يهودا ذوي علاقات وثيقة مع اسرائيل هم الذين يدفعون سياسة فريق بوش نحو العراق يمكن ان يوجه بسهولة ضد ادارات سابقة كانت سياساتها تجاه العراق مضادة للسياسة الحالية. وبالنسبة لتلك المسألة فإن مراجعة خاطفة للكتابات المضادة للحرب في العراق تكشف أن الاتهام بـ«هستيريا يهودية» يمكن بسهولة ان يسري على معارضي الغزو، لكن المشكلة الحقيقية بشأن مزاعم كهذه انها مزاعم ليست صحيحة.

ان التوسل بشبح ازدواج الولاء في نقد وحوار هادئين يرقى لما يتجاوز التلوث اليومي للخطاب العام. انه بمثابة الإبطال للخطاب العام، إذ كيف يمكن ان يدحض المرء اتهامات تتأسس على البعد الإثني؟ والتهم هي بطبيعتها يستحيل نفيها، وهكذا فإنها تطرح بغرض ان تبقى.

* الكاتب كبير محررين في «نيو ريبابليك» ومؤلف مشارك مع وليام كريستول في كتابهما الذي سيظهر قريبا بعنوان «الحرب حول العراق»

ـ خدمة «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»