ضرورة تجاوز مأزق الانقسام

TT

تظهر على السطح صورة انقسام سياسي عربي يتخذ من موضوعي العراق والقمة العربية عنوانا له، ولكن هناك ايضا امكانات واشارات الى احتمال تجاوز هذا الانقسام والمضي نحو انعقاد القمة. ولكن حتى لو تم ذلك فان الانقسام يكون قد تم تجاوزه من حيث الشكل، وتبقى المهمة الاصعب وهي تجاوز الانقسام من حيث المضمون. في هذا السياق سيكون خطراً ان تغرق القمة في مناقشات حول صحة موقف هذا البلد العربي او ذاك، او في المطالبة بتبني هذا الموقف او ذاك، لأن هذا الغرق سيكون سبباً لاستمرار الخلاف والانقسام، ولا يمكن تخطي ذلك الا اذا ذهبت القمة الى جوهر المشكلة، مع الاخذ في الاعتبار صورة الوضع العالمي، ودرسه بواقعية وعمق.

والواقع ان الانقسام العربي ليس حالة فريدة. فالانقسام قائم على مستوى العالم كله، وهو ليس انقساما قائما بين الخصوم بل بين الحلفاء والاصدقاء. ولهذا الانقسام موضوعاته الكبيرة التي تستحق بحثا من كل دولة من دول العالم، لأن نتائجه ستنعكس في النهاية على الجميع. هناك انقسام اميركي ـ اوروبي يدور حول اسس النظام العالمي الجديد، بين نهج يريد الاستفراد ونهج يريد المشاركة، بين عالم القطب الواحد والعالم المتعدد الاقطاب. وهناك نزعة فرنسية ـ المانية لبناء قطب اوروبي ينافس القطب الاميركي، مع تخوف اميركي بارز من هذه النزعة وما قد تجر اليه من صراع سياسي يتطور الى صراع اقتصادي، ثم الى جهود دبلوماسية دولية للاستقطاب. وهناك دول كبرى مثل روسيا والصين تقف حتى الآن على التخوم ولكنها تستطيع ان تقلب الموازين، بحيادها، او بانحيازها الى هذا الطرف او ذاك.

هذه الصورة الدولية للصراع القائم تنعكس بالضرورة على الوضع العربي، وهي مكون اساسي من مكونات الانقسام فيه، يضاف اليها موضوع الحرب وموضوع العراق وموضوع السياسة الاميركية في المنطقة العربية وما يحيط بها اذا ما وقعت الحرب على العراق. ولهذا فان القمة العربية يجب ان تذهب الى جوهر الامور، وان تعالج موضوع الحرب والعراق معالجة فعالة، مع الاخذ في الاعتبار الوضع العالمي وانقساماته.

القمة مطالبة بصياغة موقف عربي واضح ليس فقط من المسألة العراقية وانما من مجمل الصراع الذي نشأ او قد ينشأ بسبب الملف العراقي. وبهذا الموقف ستكون معالجة الحالة العراقية معالجة اكثر دقة واكثر شمولا، ولا بد ان يكون العراق شريكا في هذا البحث، ويتحمل ازاءه مسؤولياته الخاصة.