الحرب في يد واشنطن وتلافيها في يد.. صدام؟

TT

المعركة السياسية الجديدة في مجلس الامن تحولت، في الايام الاخيرة، من نزاع بين واشنطن وبغداد حول اسلحة الدمار الشامل وعلاقة النظام العراقي بالارهاب، الى نزاع بين باريس وواشنطن حول الخيار الحربي او السلمي لنزع اسلحة العراق. ولم تكن هذه المعركة الجانبية واردة في حسابات البيت الابيض وتخطيطه لمحاربة الارهاب. ولا في حسابات بعض الدول العربية والاسلامية التي جاء الموقف الفرنسي، المدعوم روسيا والمانيا وصينيا، يحرجها في تأرجحها بين تأييد الولايات المتحدة في حربها على الارهاب، ومعارضتها المبدئية لأي هجوم تتعرض له دولة عربية شقيقة.

الرأي السائد حتى الآن هو ان الولايات المتحدة ماضية في الحرب والاستعداد لدخول الاراضي العراقية، جنوبا وشمالا، ايا كانت نتيجة اقتراع مجلس الامن على مشروع القرار الذي تقدمت به، وحتى لو مارست فرنسا، او روسيا او الصين، حق الفيتو. (والمرجح ان هذه الدول ستبذل كل ما في وسعها لتجنب الوصول الى استعمال هذا الحق). ذلك ان الاقتراح الفرنسي الرامي الى تمديد مهمة المفتشين عدة اشهر وتزويدهم بما يلزم لنزع اسلحة العراق «سلميا»، او «بالتراضي والتعاون»، يعني تأجيل موعد الحملة العسكرية الاميركية الى الصيف، اي الى فصل الحر غير الملائم لها، او الى الخريف، اي ابقاء ربع مليون جندي اميركي منتظرين على اسلحتهم في الخليج، ثمانية او تسعة اشهر، وهذا ما لا تتحمله الخزينة الاميركية ولا الرأي العام الاميركي.

ان المعارضة الاوروبية والعربية بل والعالمية للحرب، لم توقف استعداد الولايات المتحدة لشنها. ولم تتوقف واشنطن عن ارسال الجنود والدبابات والطائرات وحاملات الطائرات، الى الحدود العراقية الجنوبية والشمالية. وعن مفاوضة الحكومة التركية على «ثمن» مساعدتها لاستخدام أراضيها في هذا الهجوم. والاعتقاد السائد، اليوم، هو ان واشنطن لن تنتظر طويلا ـ بعد موافقة مجلس النواب التركي على مشروع قرار الحكومة، وبعد مناقشة مجلس الامن لمشروع قرارها الجديد المقدم اليه، وايا كانت نتيجة التصويت ـ كي تعبر الحدود العراقية وتحتل قسما كبيرا من شمال البلاد وجنوبها. بل ويذهب البعض الى ان الخطة، او الخطط الحربية الاميركية لا تفترض حربا او قتالا تقليديا، كما يتصور البعض، اي استمرار تقدم القوات الاميركية باتجاه بغداد، والاشتباك مع القوات العراقية الموالية للنظام في حرب مدن وشوارع، ولكن البقاء بعيدا عن بغداد والمدن، وتضييق الخناق تدريجيا على النظام، والتوصل الى التخلص منه، بطريقة او بأخرى، دون تعريض الشعب العراقي ـ ولا القوات الاميركية ـ الى خسائر كبيرة في الارواح.

ان فرنسا والدول الاوروبية وغير الاوروبية، كما الدول العربية والاسلامية، ودول مجموعة عدم الانحياز، التي تعارض الحرب، صادقة وجادة في معارضتها. واسباب معارضتها واضحة ومنطقية وصحيحة. ولكنها لن تدخل في حرب مع الولايات المتحدة اذا اجتاحت قواتها العراق. فرغم معارضتها المبدئية للحرب، لا تؤيد هذه الدول النظام العراقي، ولن تحارب الولايات المتحدة دفاعا عنه. كل ما قد تستطيع فعله هو دعوة مجلس الامن الى الانعقاد، بعد وقوع الهجوم، وطلب وقف اطلاق النار. هذا كان موقفها من اسرائيل عندما هاجمت مصر ولبنان مرتين. ولماذا لا تفعل الشيء نفسه مع الولايات المتحدة؟؟

قد تتأخر الحرب اسبوعين او شهرا، ولكن واشنطن لا تستطيع تأخيرها اربعة او ثمانية اشهر. والمجتمع الدولي يعرف هذا، ولكنه يأمل ويسعى لتجنيب الشعب العراقي ونفسه نتائجها وتداعياتها السلبية، لا سيما وان هناك قناعة عالمية بأن اسقاط النظام العراقي عن طريق الحرب، لن يقضي على الارهاب، بل سيزيده عنفا وانتشارا.

يبقى احتمال او امل واحد من شأنه ايقاف عربة الحرب، وهو ان يبدي النظام العراقي تعاونا جديا ومخلصا وصريحا مع مفتشي الامم المتحدة، للكشف عن اسلحة الدمار الشامل، وان يساعد على تدميرها، ويتبع ذلك باصلاحات سياسية (على نحو ما حدث في الشيلي مع بينوشي، او في اسبانيا مع الجنرال فرانكو، مثلا)، ينهي عهد حكم صدام حسين، بدون حرب او ثورة او انقلاب وسفك دماء.

انه المخرج الاوحد لتلافي الحرب. ولكنه اقرب الى الامنيات الجميلة المستحيلة. في نظر الذين يعرفون صدام حسين جيدا.