كي لا نخسر هذا الرزق!

TT

رغم انكار الحكومات العالمية واساطيل صيد السمك التجارية فانه لم يعد سرا ان الاسماك اخذت تنضب من بحار العالم ومحيطاته.

فقد اظهرت الدراسات الاخيرة ان ثلث انواع الاسماك ذات القيمة التجارية تخضع حاليا لعمليات جائرة من الصيد العشوائي الذي يفوق مجال تجددها عن طريق التناسل والتكاثر. اي يجري «حصادها» الى درجة قد يستحيل معها اعادتها الى سابق عهدها، رغم ان بعضها قد انهار تماما وبات على شفير الانقراض.

وهذا الوضع ليس سائدا في البلدان النامية فحسب التي تعتمد على الاسماك وثمار البحر كمصدر غني للغذاء والبروتين، بل يسود ايضا في البلدان الغنية.

ان انهيار مصائد سمك القد في كندا وشمال الولايات المتحدة امر بات معروفا للجميع. والمأساة ذاتها على وشك ان تتكرر حاليا في بحر الشمال. وثمة اسباب عديدة لذلك وعلى رأسها مسألة التلوث، وانحسار المناطق المائية او الرطبة التي من شأنها ان تغذي الحياة المائية البسيطة التي عليها تتغذى الاسماك او تبدأ معها الدورة الغذائية. لكن اهم العوامل على الاطلاق هو عمليات الصيد الجائر بواسطة الاساطيل التجارية الحديثة، التي تجر وراءها شباكا غير صالحة تمتد عشرات الكيلومترات، والتي تجرف معها السمك الكبير والصغير على السواء، اي كما لو ان الامر هو عملية تنظيف شاملة هدفها عدم الابقاء على سمكة واحدة. وحتى الآن لم تستطع الحكومات ان تفرض سيطرتها على هذه الاساطيل وتنظم اساليب عملها.

الشعاع الوحيد من الامل هو تكاتف عدد من العلماء والباحثين، الى جانب عدد من الاقتصاديين والخبراء، وصيادي السمك ايضا، بطلب من لجنة «بيو» للمحيطات، للعمل على انقاذ ما يكن انقاذه، والتي نشرت آخر دراسة لها من اصل سبع دراسات التي اعتمدت على بحث مطول استغرق سنتين تناول حالة المياه المحيطة بالولايات المتحدة واسماكها ومفاقسها وسواحلها. وكانت هذه الدراسات السبع هي اول تقرير عملي مفصل، منذ تقرير لجنة ستراتون الذي قدم للكونغرس الاميركي عام 1969، والذي فرض حدودا مائية بعرض 320 كيلومترا عن الساحل لحماية المياه الاقليمية الاميركية من عمليات الصيد الجائر من قبل الاساطيل الاجنبية، ولكن ليس من عمليات الاساطيل الاميركية ذاتها، كما تبين في ما بعد.

ان التوصيات التي سترفعها لجنة «بيو» في الربيع المقبل ستضع الاصبع على الجرح تماما وطبيعة اساليب العلاج المقترحة، خاصة في ما يتعلق بالتحكم بعوامل التلوث الصادرة عن المدن الساحلية والمخصبات الزراعية واثرها في القضاء على الحياة البحرية. كما ستشمل هذه التوصيات اساليب الصيد التي تعتمدها الاساطيل التجارية، وفرض مناطق محظورة يمنع الصيد فيها فترات طويلة من الزمن لاعطاء الفرصة للحياة المائية فيها ان تتجدد وتتكاثر.

ان المثل الاميركي هذا واساليب تقويمه المقترحة ومعالجة مشاكله جديرة بالدراسة والمراقبة من البلدان البحرية جميعها على هذا الكوكب العليل، سواء نجحت او فشلت، لئلا يخسر البشر مورد رزق كبيراً الى الابد. فالاسماك كانت في الماضي طعام الفقراء، وتحولت اليوم، مع تزايد ندرتها، الى ترف في بعض البلاد، ولكنها تبقى مع ذلك مصدرا غذائيا رفيعا، يتسم بالفائدة ايضا. اذ يكفي ان نتصفح الاخبار كل يوم لنكتشف عاملا صحيا جديدا فيه يضاف الى العوامل السابقة الكثيرة. فحرام ان يخسر الانسان هذا الغذاء بسبب طيشه وتهوره، وجشعه ايضا.