عندما ترفض الديمقراطية التركية الرشوة

TT

نعيش حاليا الدقائق الاخيرة من لعبة جيوسياسية عالمية بين جورج بوش وصدام حسين، اسمها: من الذي سينهار تحالفه قبل تحالف الآخر؟ ودعونا نبدأ بصدام.

ليس ثمة شك في أن نكتة الاسبوع هي التفسير الذي قدمه الناطق باسمه عن السبب في عدم عرض مشاهد تحطيم صواريخ (الصمود 2) على التلفزيون كما طالبت الامم المتحدة؟ فقد قال الناطق ان العراقيين لو شاهدوا تحطيم صواريخهم لبلغ بهم الغضب منتهاه من الامم المتحدة بحيث يصبح من المستحيل التنبؤ بما يمكن ان يفعلوه حينها. وهذا صحيح، فلو كان لجدتي إطارات لأصبحت شاحنة.

السبب الذي جعل صدام يحجم عن عرض مشاهد تدمير الصواريخ هو أن ذلك سيظهره بمظهر الضعيف، بينما يعتمد نظامه اعتمادا اساسيا على صورة العملاق الذي لا يهزم.

إن الهواء الذي يملأ أشرعة صدام لا يهب من ناحية الشارع العربي ( فهذا الشارع قد شاهد ضعفه بالعيون المجردة واصبح راغبا في سقوطه)، بل يهب من ناحية الشارع الفرنسي الذي بلغت درجة هوسه بمعارضة قوة الولايات المتحدة حدا جعله لا يبصر ما يحدث أمام عينيه، وهو ان صدام شرع في نزع سلاحه، ليس لأن الأمم المتحدة أرسلت مزيدا من المفتشين الى بغداد، كما تطالب فرنسا، ولكن لأن المستر بوش أرسل الفرقة 101 المجوقلة الى الكويت.

ومع ذلك فان المستر بوش لديه بقع خطيرة عمياء. فقد اصبح يطالبنا في كل يوم جديد بأن نتجاهل المزيد من الحقائق المزعجة. ويتضح مع كل صبح جديد ان المستر بوش لم يكون تحالفا للراغبين، بل كون تحالفا للطامعين. وانها لحقيقة مؤسفة أن كثيرين جدا لا يقبلون التحالف معنا إلا عن طريق الرشوة او القسر ولي الأيادي.

إن رفض البرلمان التركي السماح للقوات الاميركية باستخدام القواعد التركية يعتبر أمرا مدهشا، اذا وضعنا في الاعتبار ان فريق بوش عرض عليهم صفقة تفوق الأحلام بإعطائهم ستة مليارات دولار من المساعدات والاسلحة، مع فيتو على مستقبل الاكراد العراقيين. ولكن هناك ما يثير الإعجاب في رفض الديمقراطية التركية أن تقبل الرشوة للمشاركة في حرب يرفضها شعبها. وسيكون معيبا بالنسبة لنا ان نجبر الاتراك على التصويت مرة أخرى علما بأن برلمانهم قتل هذه المسألة بحثا وبأكثر مما فعل الكونغرس الاميركي.

الواقع ان الكونغرس طلب منه عدة مرات ان يكذب عقله ويتجاهل منطقه ليقبل وعود المستر بوش بان هذه الحرب وارتفاع اسعار البترول وضعف الدولار لن ترهق جميعها الموازنة باكثر مما ارهقتها اعفاءاته الضريبية.

واعتقد ان الدائرة الصغيرة من الصقور التي اقنعت المستر بوش بإرسال أعداد هائلة من الجنود الاميركيين الى المنطقة، في شهر يوليو الماضي، دون التشاور مع الكونغرس او مع الشعب الاميركي، كانت تعلم علم اليقين أنه لن يتمكن من التراجع إلا إذا اختار ان يتكبد خسائر فادحة.

هذا يذكرني بقصة الرجل الذي ضل الطريق فسأل أحد افراد الشرطة. إذ قال له الشرطي: «ولكنك لا ينبغي لك أن تبدأ من هنا». حسنا نحن مضطرون أن نبدأ من هنا. ولا بد ان يعترف اولئك الذين يعارضون الحرب ان الإحجام عن أي عمل يعني استدامة طغيان صدام، وتزويد الطغاة جميعا بفرصة لا يحلمون بها. كما أن اولئك الذين يعتقدون أن إزاحة صدام هي الخيار الصحيح، وأنا منهم، يجب أن يعترفوا بأن المخاطر المحيطة بهذا الأمر قد بلغت من الارتفاع، وان الحلفاء المستعدين للذهاب معنا الى نهاية الشوط قد صاروا من القلة، بحيث يصعب إنجاز هذه المهمة على الوجه الصحيح.

يمكن بالطبع ان نكون محظوظين إذا نجحت لعبة المستر بوش وأجبرت صدام على الاستسلام والمغادرة. المخرج الآخر، والوحيد هو استصدار قرار جديد من مجلس الامن يضع اهدافا محددة لنزع الاسلحة العراقية، وإذا لم يمتثل صدام لها في الموعد المحدد، توافق الأمم المتحدة على استخدام القوة ضده. بهذا يمكن لفرنسا والصين وروسيا أن تقول انها كسبت الوقت التي كانت تطالب به، كما يمكن للولايات المتحدة أن تواجه صدام بجبهة موحدة، وهو التهديد الوحيد الذي يمكن ان يجبره على التنازل دون قتال.

إذا لم يحدث ذلك فان عليك أن تستعد للحظة الارتطام، وأن تتمنى السلامة والنجاة، لأننا جميعا نحتل المقاعد الخلفية.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ«الشرق الاوسط»