رامسفيلد المقدوني في ثياب الامبراطورية

TT

من اليسير تصوير رومي بدرع معدني كبير، وتنورة، وصندلين برباطين من ذلك النوع الذي يرتديه المصارعون، وهم العبيد أو الأسرى الذين يقاتلون حتى الموت لامتاع اهالي روما القديمة. ويمكن ان يحمل اسم: روميوس ماكسيموس بومبيوس.

فخلال الصيف البريء قبل احداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) 2001، رعى مكتب وزير الدفاع دونالد رامسفيلد دراسة حول الامبراطوريات القديمة ـ المقدونية والرومانية والمغولية ـ لفهم الكيفية التي حققت بها الهيمنة.

فأية افكار يمكن ان يستوعبها رومي من الاسكندر الكبير، ويوليوس قيصر، وجنكيز خان؟

سوف يشعر رامسفيلد بالتأثر، على أية حال، اذا ما عرف ان جنكيز خان كان اول من ابتكر صاروخ «إم آي آر في» (وهو صاروخ يطلق رؤوسا متعددة باتجاه اهدافها المحددة سلفا). وكما كتب ديفيد مورغان في كتابه «المغول»، فإنه «عندما بدأ الزعيم المتعطش للدماء عملية اخضاعه الامبراطورية الصينية عام 1211، كان عليه ان يكتشف طريقة للاستيلاء على مدن الصين المسورة.

وعرض جنكيز خان رفع الحصار اذا ما اعطي ألف قطة، وعشرة آلاف من طيور السنونو. وقد جرت تلبية مطلبه كما ينبغي. فقام جنوده بشد ذيول الحيوانات بمادة معينة جرى اشعالها. واطلقت الحيوانات ففرت هاربة باتجاه موطنها لتشعل المدينة بالنيران، وفي ظل الفوضى الناجمة عن ذلك جرى الانقضاض على المدينة».

وفي كتابها الجديد الموسوم «المهمة» حول اعتماد اميركا المتزايد على الجيش لمعالجة القضايا العالمية، تقول دانا بريست ان البنتاغون (وزارة الدفاع) كلفت آخرين القيام بالدراسة في وقت لم يكن رومي قد امتلك، بعد، خططا بشأن العالم.

ومما اثار فزع جنرالاته ذوي النجوم الاربع ان الوزير الجديد كان يتحدث عن سحب الجنود الاميركيين من السعودية وصحراء سيناء وكوسوفو والبوسنة. وكان يعتقد ان استخدام جيشنا لمكافحة تجارة المخدرات في اميركا الجنوبية «هراء».

وهو يبغض السفر، ويزدري «الاسناد الدولي»، كما تشير بريست، مضيفة ان وزير الدفاع يعتقد ان «الولايات المتحدة ربما لم تكن بحاجة الى كل هذه الشراك والمآزق لكي تبقى في القمة». فقد الغى المناورات المتعددة الجنسية، بل حرم كلمة «التورط». وكان اهتمامه الوحيد في انشاء المستعمرات هو وضع الاسلحة في اماكن معينة.

ثم غير الحادي عشر من سبتمبر كل شيء. ففي البنتاغون كان بول وولفوويتز يتحدث حول «انهاء الدول التي ترعى الارهاب». وقال هو، وريتشارد بيرل، ان افضل رهاناتنا لسحق الارهاب الاسلامي هو الاستيلاء على العراق، واعادة كتابة تلك النصوص الدراسية المعادية لاميركا، والحث على ممارسة لعبة ديمقراطية.

وفي الوقت الحالي، وارتباطا بالغضب الذي تشعر به بقية دول العالم تجاه اسلوب الادارة الحربي المتغطرس، اصبح انصار بوش شديدي الحساسية تجاه كلمة «امبراطورية». فهم يؤكدون انهم غير مهتمين بفرض الهيمنة، حتى بينما يعد حكام البنتاغون الاداريون انفسهم لحكم العراق، امبراطورية ما بين النهرين القديمة.

وقد عمل برنارد لويس في جامعة برينستون، ونيوت غينغريتش وآخرون، على تقرير اغسطس (آب) 2001 بشأن الامبراطورية، الذي اشار الى انه «بدون مؤسسات سياسية واقتصادية قوية لم يكن للمغول والمقدونيين ان يحافظوا على امبراطوريات مترامية الاطراف. وما جعل الامبراطورية الرومانية عظمى لم يكن مجرد قوتها العسكرية، وانما امتيازها كامبراطورية. وما جعل الامبراطورية الصينية عظمى لم يكن مجرد قوتها العسكرية وانما القوة والقدرة الهائلة لثقافتها.

واذا كان لنا ان نستخلص اي درس من التاريخ، فهو: من اجل ان تعزز الولايات المتحدة هيمنتها يجب ان تبقى مهيمنة عسكريا، ولكن عليها ايضا، ان تحافظ على تفوقها عبر الاعمدة الاخرى للسلطة.

البعض يعترضون على ذلك. فالباحث الكلاسيكي برنارد نوكس قال ان «الامبراطوريات ماتت تماما، وقد ولى عهدها».

وقال نيال فيرغسون، الاستاذ في جامعة اوكسفورد ونيويورك، ومؤلف كتاب «الامبراطورية» الذي يصدر قريبا، انه «بينما يعتبر شيئا جميلا» ان يدرس البنتاغون الامبراطوريات القديمة، فإنه يعتقد ان الدروس لم تعد ذات صلة بالموضوع.

واشار الى ان «الفوارق التكنولوجية والاقتصادية بين الحداثة وما قبل الحداثة هائلة».

وعلاوة على ذلك فإن الاميركيين، حسبه، ليسوا بمزاج يلائم اقامة امبراطورية. وقال ان «البريطانيين لم يبالوا بالعيش لسنوات طويلة في العراق او الهند زادت على 100 سنة. اما الاميركيون فلا تجتذبهم فكرة الاقامة في اماكن حارة وبائسة».

انه على حق، فأميركا لا تريد الاحتلال، نحن نريد شراء ارضنا مثل صفقة شراء لويزيانا، والاموال المبالغ بها التي سندفعها الى تركيا (الامبراطورية العثمانية القديمة) لاستخدام قواعدها، قبل احباط برلمانها ذلك. وفي الخارج نفضل تقاسم الممتلكات لفترة معينة.

وبينما يحاول امبرياليو بوش المتميزون بالتحدي اقامة ديمقراطية جديدة في العراق، فإنهم يكتشفون ان الديمقراطية القديمة لحلفائنا المعارضين ليست ملائمة.

* خدمة «نيويورك تايمز» ـ خاص بـ «الشرق الأوسط»