شيراك.. في الجزائر

TT

اسئلة ثقافية وسياسية يطرحها تدافع مئات الالوف من الجزائريين ترحيبا بالرئيس الفرنسي جاك شيراك في استقبال لم تشهده الجزائر منذ زيارة جمال عبد الناصر الشهيرة اليها.

شيراك يزور الجزائر للمرة الثانية، ففي المرة الاولى كان يرتدي اللباس العسكري ضمن جيش الاحتلال الفرنسي للجزائر، وهو الاحتلال الذي تسبب في مقتل مليون ونصف مليون جزائري ضحوا بأرواحهم من اجل الخلاص من المستعمر. وكان منظر الاندفاع الهستيري لاستقبال شيراك في زيارته الثانية مزيجا من التراجيديا والهزل، فها هو المستعمر الذي خرج دون ان يعتذر عن استعماره، ودون ان يدفع تعويضات عن جرائمه يتحول الى بطل تاريخي فيما يشبه الاساطير اليونانية القديمة!!

ما الذي حدث؟ سؤال يتعلق بالهوية وبالعلاقة مع الآخر وبالتأزم السياسي والاجتماعي للشعب الجزائري، وبالانتقال من حالة مستعمر فرنسي يقتل الجزائر بالبنادق، الى حالة جزائريين يقتلون جزائريين من اطفال وعجائز بالسكاكين في حرب اهلية مجنونة!

هل هي حالة من الحنين الى الماضي؟ هل هي مقارنة في اللاشعور بين ما كنا فيه من مأساة وما وصلنا اليه من مأساة مركبة؟ هل كان الجزائريون يرددون مع الشاعر العربي: رب يوم بكيت منه فلما صرت في غيره بكيت عليه.

هل هي رغبة في التعبير عن مشاعر مكبوتة لشعب لم يفرح منذ زمن طويل ولم يمارس التطهير النفسي بشكل جماعي، فوجد في زيارة شيراك فرصة للنزول الى الشوارع والغناء الجماعي والصراخ تنفيسا عما في الصدور؟

وماذا بشأن الشعار الذي اطلقه الجزائريون في وجه شيراك «فيزا.. فيزا»، هل كان الجزائريون يطالبون الرئيس الفرنسي بتسهيل اجراءات الفيزا؟ وهل هي دعوة الى مغادرة الوطن بحثا عن مكان يتوفر فيه ما لا يتوفر في الوطن؟

الجزائر ليست استثناء، فحال العالم العربي من البحر الى البحر هي حالة اضطراب حقيقي، وبحث عن هوية تداخل فيها الخاص بالعام، ومحاولة البحث عن مشجب خارج الحدود، إما لنعلق عليه خيباتنا وهزائمنا ونحمّله المسؤولية، او لنطلب منه انقاذنا مما نحن فيه، فالآخر هو المتهم وهو المخلص، مثلما اميركا هي الداعم بغير حدود لاسرائيل، وهي راعية عملية السلام، والشعوب العربية لو زارها بوش لصرخت في وجهه «فيزا.. فيزا»!! والمسألة معقدة حقا فسامحونا!!