هل يصلح العطار ما أفسد الصقور؟

TT

الغرابة، كل الغرابة، ليست في استقالة شارلوت بيرز، مساعدة وزير الخارجية الاميركية المكلفة مهمة تجميل صورة الولايات المتحدة في العالمين العربي والاسلامي.... ولكن الغرابة، كل الغرابة، ان تعتقد الادارة الاميركية أن باستطاعة موظفة حكومية، كائنة من كانت وفي اي موقع كانت، «تسويق» سياسة صقور الحزب الجمهوري في الشارعين الاسلامي والعربي.

سبعة عشر شهرا من مجهود اعلامي ـ دعائي وضع البيت الابيض الآمال الكبار فيه كانت كافية لان تصف شارلوت بيرز مهمتها بانها «مثبطة للهمم»، وتبلغ لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ أن «الفجوة بين ما نحن عليه (الاميركيين) وما نود أن ينظر الينا، واسعة بشكل مخيف».

مظلومة شارلوت بيرز، ذهبت ضحية النظرة التجارية للسياسة الدولية الطاغية على المفاهيم الدبلوماسية لرجال الاعمال الممسكين حاليا بزمام الامور ـ وخناق العالم ـ في واشنطن.

قبل أن تغرق في مستنقع محاولة تحويل الولايات المتحدة الى سلعة رائجة في الاسواق العربية والاسلامية، حققت شارلوت بيرز نجاحا باهرا في حملات تسويق تجارية للعديد من المنتجات والماركات الاميركية، بينها بطاقات «اميركان أكسبرس» وشامبو «هيد اند شولدرز» وأرز «انكل بنز»... ويوم طاب لوزير الخارجية، كولن باول، أن يمتدحها اختار ان يذكر انها السيدة التي جعلته يأكل أرز «انكل بنز».

في ضوء تجربتها الدعائية هذه، لم تقصّر بيرز في انتاج العديد من الافلام الوثائقية عن الحريات والديمقراطية في الولايات المتحدة، وتحديدا عن الحياة السعيدة التي يتمتع بها المسلمون الاميركيون في حياتهم اليومية، جنبا الى جنب، مع أقرانهم من المواطنين المختلفة مشاربهم في مجتمع متسامح تتعايش فيه كل العقائد والاديان والالوان.

إلا أن هفوة شارلوت بيرز انها تناست، ان لم تكن تجاهلت، أن مشكلة العرب والمسلمين ليست في المناخ الاجتماعي في الولايات المتحدة بل في المناخ السياسي في البيت الابيض. ولو عادت الى استطلاعات الرأي العديدة ـ ومعظمها أجرتها مؤسسات أميركية متخصصة ـ لوجدت أن ما يبغضه العرب والمسلمون ليس ديمقراطيتها بل سياستها الخارجية التي لم تجد مناسبة واحدة بعد لانصافهم.

ما همّ المواطن العربي او الاسلامي إذا كان المسلمون الاميركيون يعيشون براحة في مجتمعهم والسياسة الاميركية تلاحقهم ـ وربما الاصح تضطهدهم ـ في مجتمعاتهم الوطنية فتشجع المعتدين على ارضهم وكرماتهم في فلسطين وتعد لاحتلال احدى أغنى دولهم والتحكم بمستقبلها ومستقبل الشرق الاوسط ايضا وتؤيد العديد من الحكام المتسلطين على مصائرهم في اكثر من دولة عالم ثالثية يعيشون فيها؟

ربما غفلت السيدة بيرز عن ان الدعاية لمنتج ما يجب أن تنطلق، بادئ ذي بدء، من فرضية بدائية هي قابلية المستهلك على هذا المنتج و«شرائه». وهذه الفرضية تعني، في عالم التجارة الواقعي، الاستغناء عن الانفاق على تسويق منتج لمستهلك يرفضه أصلا ويسعى للتخلص منه.

مؤسف لدولة نجحت في تسويق العديد من منتجاتها المحلية على نطاق دولي واسع أن تفشل في تسويق نفسها... لا لسبب الا لانها ترفض الاعتراف بأن مسؤولية فشل هذا التسويق لا تقع على عاتق «المستهلك» بقدر ما تقع على عاتق «المنتج».

لو التزمت الولايات المتحدة في حملتها التسويقية في العالمين العربي والاسلامي بالمبدأ الاساسي لأي تجارة ناجحة، اي الاعتراف بان «المستهلك» دائما على حق، لكانت أدركت سلفا أن ما كشفته شارلوت بيرز عن فجوة «مخيفة» بين ما هي عليه صورة الولايات المتحدة وما تصبو لان تظهر به في أعين العرب والمسلمين تستوجب اعادة نظر في صناعة «المنتج» ونوعيته لا محاولة إغراء «المستهلك» على تجاهل «عوراته».