الأمير تشارلز مطاردا

TT

مسكين الامير تشارلز، اذ انه متنقل من فضيحة إلى أخرى. وبغض النظر عما يقوم به سوف تطفو جراحه على السطح.

آخر ضجة اثارتها الصحافة البريطانية حوله دارت حول التقرير الذي صدر عن تحقيق قام به سكرتيره الخاص، السير مايكل بيت. والتقرير على وشك أن يصدر، وقد تم حتى الآن تسريب الكثير منه الى الصحافة، آخذين بالاعتبار أن تحقيق القصر بدأ بعد انهيار محاكمة بول باريل الرئيس السابق لخدم الاميرة الراحلة ديانا.

وكان بول قد واجه تهم الاحتفاظ بأشياء كثيرة تعود للأميرة ديانا، لكن المحاكمة انهارت بعد تدخل الملكة، التي قالت إن رئيس الخدم كان قد أخبرها باحتفاظه بأشياء تعود لديانا حرصا منه على سلامتها.

ما ظهر في هذه المحاكمة العابرة، هو سلسلة من الشائعات التي كان يمكن ان تترك تاثيرات تؤذي عددا من الناس بضمنهم الأمير تشارلز لو استمرت المحاكمة.

وأكثر المزاعم جدية، كان ما يتعلق باعتداء جنسي قام به موظف يعمل ضمن المستخدمين لدى الأمير تشارلز. وكان الامير تشارلز قد قدم للضحية تعويضا، وهو يعمل حاليا في مكان آخر. ويبدو أن الضحية قد أخبر الأميرة ديانا بموضوع الاغتصاب المزعوم، وقد قامت بتسجيل حوارها معه حول ذلك. والشريط الذي تضمن الحوار بات الان مفقودا.

هناك شائعة أخرى ظهرت خلال المحاكمة القصيرة تقول، إن الأميرة ديانا كانت على علاقة باللورد لينلي، ابن أخت الملكة وابن خالة الأمير تشارلز. كذلك ظهرت على السطح اقوال بأن الخدم العاملين في بيوت الأمراء، يقومون ببيع هدايا غير مرغوب بها، يمتلكها هؤلاء، مقابل تلقي الخدم عمولة. ويبدو أن الملكة نفسها كانت على علم بتلك الممارسات.

عندما انهارت محاكمة بول بارِل، جرى نقاش واسع حول ما جرى حقا في القصور الملكية، بل تشكلت قناعة كبيرة لدى الجمهور بوجود تغطية للوقائع. وأجبرت التغطية الإعلامية السلبية الأمير تشارلز على المبادرة الى إجراء تحقيق داخل القصر، وفي هذه المرة أيضا جرى استقبال ذلك بشكل سلبي من قبل الجمهور والصحافة معا، حيث تشكلت قناعة لدى الطرفين أن التقرير سيخفي الحقائق أيضا. وحين يصدر التقرير سيشعر الأمير تشارلز بالكآبة وهو في بلغاريا.

اذا ما وضعنا القيل والقال جانبا، فان الصحافة البريطانية تحتل بالنسبة لي أهمية خاصة، فهي الأكثر انفتاحا في العالم. وبعكس فرنسا، لا يوجد في بريطانيا قانون يتعلق بالحياة الخاصة للأفراد وضرورة حمايتها. ويستطيع الإعلام أن يغطي الحياة الشخصية لأي كان مهما كان موقعه في السلم الاجتماعي، والكشف أي موضوع قد يكون محرجا لهذا الشخص أو ذاك. بالتأكيد، إذا نشرت الصحافة ما هو غير حقيقي فان بامكان الشخص المعني أن يأخذ الصحيفة المسؤولة إلى القضاء بتهمة القذف وتشويه السمعة.

ما هو مهم بالنسبة لي هو حرية الإعلام، فأنا أؤمن من اعماقي، أن من حقنا كجمهور أن نعرف كل ما يجري حولنا. وأنا لا أجد أي مبرر لفرض الرقابة على الإعلام، فعلى سبيل المثال فقد غطى الاعلام، هنا، الملف العراقي بشكل واسع . ولدينا في الحكومة البريطانية وزراء يؤيدون الحرب وآخرون يقفون ضدها، لدينا هذا التعدد الواسع في وجهات النظر التي قوضت موقع رئيس الوزراء توني بلير. مع ذلك فإن الإعلام لم يُردع أو يمنع من نقل الوقائع. ودفع هذا الوضع توني الى طرح قناعاته بشكل أكثر صرامة محاولا، من خلال النقاش، تغيير وجهات نظر أولئك المعارضين للحرب. ومما يثير انتباهي هنا، هو استمرار قبول توني بلير حق الاعلام في نشر وجهات نظر مخالفة له، على الرغم من عدم ارتياحه للاراء المخالفة لرؤيته. الانشقاق والخلاف والاراء المعارضة للحكومة، هنا، لا تصنف في خانة غير وطنية ابدا. اما في العالم العربي، وفي البلدان النامية فتتعرض الاخبار في وسائل الاعلام للرقابة في أغلب الاحيان وبعضها لا يسمح بظهوره.

ولتبرير عدم السماح بنشر أخبار معينة يجري تصنيف بعض الاخبار من قبل الحكام بانها «حساسة»، وهم يحاولون تجنب الأسئلة التي سيثيرها كشف هذا الموضوع أو ذاك. وأنا أعتقد أن هذه نظرة ضيقة الأفق، لن يترتب عنها سوى انتشار النميمة البذيئة وشيوع معلومات ناقصة. وهذا ما يجعل الناس يرفضون ما يُنشر، لأن هذا التأويل ليس سوى وجهة نظر الحكومة التي هي دعاية بحتة، وهذا يعيدني إلى قصة تشارلز. انني على يقين بان الامير يفضل عدم نشر نواقصه بشكل واسع، ولعل هذا التقرير سيجلب له بعض القلق والحرج، لكن حتى تشارلز يفهم أن حرية الصحافة مع نواقصه أفضل من إعلام تحكمه الرقابة.