تهشيم الأمم المتحدة

TT

بسخرية لاذعة اعتبر معلقون اميركيون ان ازمة العراق كشفت هشاشة الامم المتحدة كمنظمة تحكيم دولية، فهم يعتقدون انها ليست الا مسرحا يستغل للاساءة للولايات المتحدة، وفي رأي احد المراسلين الذي كان مشاركا في حوار على التلفزيون، انه لم يكن للمنظمة الدولية نفع من قبل ولا من بعد، وعلى الحكومة الاميركية اعلان الحرب من جانب واحد ضاربة بعرض الحائط اي فيتو يعارض الحرب.

ونحن نقول ان الخروج على قرارات مجلس الأمن يجعل الولايات المتحدة مثل العراق المتهم بالخروج على الشرعية الدولية.

هذا التهشيم للامم المتحدة قد يلحق بالعالم ضرراً أعظم من أضرار الحرب في العراق نفسه، لأن الأمم المتحدة على الرغم من اخفاقاتها تبقى عصبة الامم الوحيدة القادرة على ضبط النظام وترتيب العالم. واستهانة بعض الاميركيين بوجود المنظمة وفعاليتها ستؤذي بالدرجة الاولى مصالحهم المستقبلية كقوة عظمى، كما انه بطبيعة الحال يهدد امن العالم واستقراره المبني على توازنات دقيقة.

والسؤال كيف ستفعل الولايات المتحدة غدا لو قررت الذهاب بلا تفويض دولي وتورطت في حرب في العراق ثم اكتشفت انها غاصت حتى أذنيها في حرب اشباح.. هل تنسحب واذا ارادت ألا تحتاج الى غطاء دولي لضبط الاوضاع؟ او حتى في افضل الحالات، اي عند كسب الحرب، كيف سيتم تحقيق انتقال نظام جديد في بلد سينقسم على نفسه، وفي اقليم سينقسم على نتائج الحرب وفي عالم حاليا منقسم على نفسه؟

ان تهميش الامم المتحدة او تهشيمها فيه اضرار بأهم انجاز قانوني حققه العالم في تاريخه ربط الجميع في منظومة حافظت على توازن سلمي غير مسبوق. حتى عندما كان العالم في حالة انقسام عسكرية وسياسية بين موسكو وواشنطن لعبت الامم المتحدة دور المرجع للمتحاربين يحاولون من خلالها حفظ السلم العالمي. ومع قناعتنا جميعا ان الامم المتحدة لم تسعد العالم بسلام شامل، ولم تكن عادلة في كل نزاع نشب في العالم، وتحديدا في القضية العربية مع استمرار احتلال اسرائيل لاراضي ثلاث دول عربية.. رغم هذا كله فان العالم سيكون في وضع أسوأ بلا مرجعية قانونية دولية.

والاحباط الذي يمر به الاميركيون، بسبب عجزهم عن تمرير قرار يجيز لهم شن الحرب على العراق، لا تلام عليه الأمم المتحدة بل يلام عليه الاميركيون انفسهم الذين لم يبالوا مبكرين باقناع العالم والسعي لمنح عملهم العسكري الشرعية المطلوبة. واذا اختارت المجموعة الدولية رفض الحرب فان على الولايات المتحدة ان تقبل بالقرار احتراما للمنظمة الدولية التي في بقائها وضمان شرعيتها منافع اكثر من تغيير نظام صدام حسين الذي سيزول في يوم ما.