من أحداث الأسبوع ـ عار العروبة

TT

تبارت الحكومة والمعارضة في مصر في تعبئة المظاهرات ضد التدخل الغربي في العراق. حصل مثل ذلك في اليمن وفي فلسطين. سار الجمهور بمظاهرات تحمل صور صدام حسين وتهتف بحياته، والحملة ماشية في تأييده في معظم الدول الاسلامية. رأيت في هذه الحملة صورة مجسمة لكل العيوب التي تعاني منها امتنا: الجهل والانانية، النزعة الدكتاتورية، تجاهل حقوق الانسان، انتهازية المثقفين ولا ابالية المسؤولين.

هذا نظام تسبب بموت مليون نفس بريئة بدون طائل. لم يجرؤ على استعمال الغازات السامة ضد اسرائيل، او الامريكان، ولكنه استعملها بسخاء ضد ابناء شعبه وابناء جيرانه المسلمين في ايران. نظام تسبب بهجرة اربعة ملايين مثقف، اطباء وعلماء ومهندسين، ليعملوا في خدمة «الكفار» في الغرب بدلا من خدمة شعبهم. نظام فرق وحدة الصف العربي وشرد الوف الفلسطينيين في الكويت بغزوه لذلك البلد. نظام استعمل ابشع اساليب القمع والتعذيب والتصفية الجسدية بما في ذلك قطع الالسن والآذان وانتهاك الاعراض، نظام حول شعبا عزيزا غنيا الى شحاذين يستعطون الغريب، ونساء يبعن اعراضهن بلقمة خبز.

كل ذلك والامة العربية ساكتة تستقبل حكوماتها هذا الرجل وتصفق جماهيرها له ويتغنى شعراؤها باسمه. تسألهم فيقولون، نعم، نتفق معك في انه دكتاتور غاشم، ولكننا لا نريد الغرب يهاجم العراق. حسنا. لا احد منا يريد ذلك. تفضلوا انتم ايها العرب، تضامنوا وقولوا له بصوت واحد: تنح. وان لم يتنح فهددوه بطرده من الجامعة العربية ومحاصرته ثم اخيرا تأييد الغرب في ضربه. ابدت الامارات العربية ما يكفي من الشجاعة والحكمة بطلب تنحيته. فلم يؤيدها غير القليل. تتطوع قوى اجنبية وتضحي بأبنائها من اجل ازاحته وتنفيذ هذه المهمة فنقف ضدها. اياكم ان تمسوا هذا الطاغوت بأذى. لماذا؟ لان هذه القوى الاجنبية تسعى وراء مصالحها. ما هي مصالحها؟ الحصول على النفط. وماذا يريد العراقيون ان يفعلوا بنفطهم؟ يشربونه؟ لماذا نعتبر الشركات الفرنسية او الروسية احسن من الشركات الامريكية او البريطانية؟

يقولون امريكا تريد ان تغير المنطقة. ولم لا؟ ما الذي نريد ان نصونه من التغيير؟ الارهاب المتفشي في صفوفنا؟ الدكتاتوريات الرعناء؟ الحاكم المعتوه؟ الجهل والخرافات؟ سلب الحريات وقمع الفكر الحر؟ اضطهاد المرأة؟ التنكر لحقوق الانسان؟ الانتخابات المزيفة والبرلمانات الصنيعة؟ الرشوة والفساد والسرقات؟ ما الذي نريد ان نحميه من التغيير؟

وفي آخر المطاف، يقولون لك: لا نريد الكفار الصليبيين يتسلطون على ديار المسلمين. اضطهاد المسلم، سلبه ماله، قتل اولاده، اغتصاب بناته واخواته ونسائه، تشريده من بلده، ضربه وتعذيبه، جدع انفه وقطع لسانه وعضوه، اعمال حكر للحاكم المسلم فقط ولا يجوز ان نسمح لرجل من واشنطن او برمنغهام ان يزاحم الحاكم المسلم في ذلك.

للحاكم المسلم ان يجيع شعبه ويستعمل امواله في صنع تماثيل وقصور باذخة وتأمين ارتستات وعاهرات لاصحابه وذويه، وتحويل مسلمات قانتات محصنات الى ارتستات وعاهرات، ولكن لا يجوز لامريكي ان يأخذ شيئا من ذلك ويصرفه على تطوير العلوم والتكنولوجيا والقضاء على السرطان والايدز.

هذا في الواقع وفي آخر المطاف، ما ننتهي اليه من منطق هؤلاء الذين حملوا صور صدام حسين وتظاهروا باسم الدفاع عن العراق والعراقيين دون ان يعبأوا حتى بسماع ما يقوله العراقيون. ليس لهم الآن غير ان يخجلوا من انفسهم ويتوبوا الى ربهم عما فعلوا.