بلير وشيراك.. واللجنة العربية

TT

الى جانب ما يدور في ساحة مجلس الأمن من حرب ضروس، فان مشهد الأزمة العراقية تكاد تطغى عليه هذه الأيام محنة رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، وفيتو الرئيس الفرنسي جاك شيراك، وقضية اللجنة العربية المنبثقة عن قمة شرم الشيخ.

بلير يبدو محاصراً من كل الاتجاهات، وآخر السهام جاءته من حيث لا يتوقع.. من واشنطن. فتصريحات «بولدوزر» الادارة الاميركية، وزير الدفاع دونالد رامسفيلد، اول من امس التي قال فيها ان اميركا مستعدة للذهاب الى الحرب حتى من دون بريطانيا، وجهت لطمة عنيفة الى بلير الذي وضع كل بيضه في السلة الاميركية ورهن مستقبله السياسي بقضية حرب العراق. فقد استغل المعارضون للحرب في بريطانيا، وهم أغلبية، هذه التصريحات للقول بأنه اذا كانت واشنطن غير آبهة حتى بمحنة اقرب حلفائها، فلماذا يورط بلير بريطانيا في هذه الحرب، خصوصاً ان غالبية البريطانيين لا تريدها وتربط التأييد لها بصدور قرار واضح بخوضها من مجلس الأمن.

لكن المشكلة بالنسبة لبلير انه حشر نفسه في زاوية تجعل التراجع انتحاراً سياسياً يضرب هيبته حزبياً ويسهل على منافسيه الانقضاض عليه بحجة انه ورط بريطانيا وأخطأ في حساباته السياسية وجعل بلاده تخسر على كل الجبهات. من هنا يبدو ان رهان رئيس الوزراء البريطاني سيكون الذهاب مع بوش الى الحرب على امل التمكن من حسمها سريعاً، بحيث يسكت الانتصار خصومه، ويعيد له شعبيته المنحسرة. ورهان بلير هنا ليس سياسياً فحسب، بل اقتصادي ايضاً. فهناك صراع اقتصادي لا يقل شراسة يدور خلف الكواليس حول عراق ما بعد الحرب، وحول مشاريع اعادة الاعمار وتوزيع الحصص. وبلير يراهن في ذلك ايضاً على بوش، مثلما راهن على اميركا في محاولة ابقاء بريطانيا لاعباً اساسياً على الساحة الدولية وفي الأزمات الكبرى، من كوسوفو، الى افغانستان، والعراق.

على الجانب الآخر هناك شيراك الذي نجح في تعزيز نفوذ فرنسا من خلال كلمة «لا» لواشنطن، واستطاع بذلك ان يعزز شعبيته في الداخل، وان يكسب اعجاباً واسعاً في الخارج، خصوصاً في العالم العربي، حيث تتدفق العواطف غزيرة في اتجاه الرئيس الفرنسي، حتى من الجزائر التي خرجت في استقبال فريد لرئيس دولة كانت المستعمرة السابقة وخرجت من هناك بعد تاريخ ملطخ بالدماء. فقد استطاع شيراك ان يلعب اوراقه بشطارة وذكاء يحسده عليهما الكثيرون. فهو كسب بالتلويح بالفيتو معركة الشعبية واستطلاعات الرأي، وهو سيتخلى عن سلاح «لا» في الوقت المناسب لأن مصالح فرنسا السياسية والاقتصادية ستحتم عليه ايضاً الحفاظ على العلاقات مع اميركا، وعدم فقدان المزايا الاقتصادية في عراق ما بعد الحرب.

واخيراً هناك اللجنة العربية التي خرجت من رحم قمة شرم الشيخ وهي تحمل كل جينات الخلافات وتضارب المصالح وغياب الرؤية الواضحة والارادة الجماعية. فليس واضحاً متى تذهب اللجنة الى بغداد، ومن سيذهب ومن سيقاطع، وماذا ستقول. والتصريحات متضاربة حول المهمة الصعبة. فهل تذهب اللجنة الى بغداد لكي تبلغها قرارات قمتي شرم الشيخ والدوحة. واذا كان الامر كذلك فلماذا ثمن التذاكر وتكبد مشاق السفر، فالعراق كان حاضراً في القمتين ولا يحتاج الى من يعيد على مسامعه تلك القرارات الانشائية. فاللجنة اذا كانت تريد زيارة ذات قيمة الى بغداد، فانها لا تملك الا ان تذهب الى صدام حسين لكي تقول له احد أمرين، إما: اننا سنحارب معك، او: ان عليك ان تتنحى لتجنب شعبك والمنطقة المأساة.

الأمر الأول، لا تملكه اللجنة ولا تقدر عليه. اما الأمر الثاني فهي مترددة في قوله ومختلفة حوله. وفي هذه الحالة فان الافضل للجنة ان تبقى مكانها، فلا تزيد الأمر سوءاً على الشعب العراقي وعلى الوضع العربي الموجود في غرفة الانعاش منذ غزو الكويت، وربما قبل ذلك، والى اشعار آخر.