بينوشيه ...والآن إلى أين؟

TT

عاد الديكتاتور التشيلي (السابق) العجوز اوجوستو بينوشيه، بالرغم منه الى قلب الاحداث. فقد لاحقته الدعوات القضائية الى بلده بعدما عاش طريد العدالة، وقيد الإقامة الجبرية الفعلية شهوراً طويلة في اوروبا، وتحديدا في بريطانيا.

في الواقع هناك جانبان يستحقان التوقف عندهما في ما يخص الديكتاتور العجوز: الجانب الاول، ان مرحلة ما بعد الحرب العالمية الباردة ما عادت تتقبل الابتزاز بالانقلابات والمجازر. والجانب الثاني ان سيف العدالة لا يمكن ان يغمد طالما ظل هناك مطالبون.

لقد استفاد الجنرال العجوز كثيراً من مناخ الحرب الباردة، وسكتت دول غربية عديدة على ما صحب انقلابه العسكري الدموي، وعلى ما تلا الانقلاب من اعمال قمع وخطف وتصفية بلا محاكمة، وكان في مقدمة الصامتين دول كبرى تبشر بالديمقراطية بكرة واصيلاً، الا ان حساباتها الاستراتيجية ضمن اعتبارات المواجهة والتحدي مع الاتحاد السوفياتي كانت اقوى وأهم من احترامها حقوق الانسان. فهي تبعاً لخطابها السياسي كانت تخوض حرب نفوذ ضد الشيوعية على امتداد اميركا اللاتينية، وبالتالي تقبلت، بل شجعت وساعدت، البديل الجاهز للحكم اليساري في تشيلي تحت سلطة الدكتور سلفادور الليندي. اما الآن فلم يعد الكلام عن «خطر شيوعي» وارداً، لا على مستوى اوروبا ولا على مستوى اميركا اللاتينية. بل ان الاحزاب والانظمة الشيوعية الباقية تتسابق على إثبات حسن نياتها تجاه الديمقراطية والتعددية والانفتاح الاقتصادي. وعليه، فإن «موضة» بينوشيه في الخطف والقمع والقتل اضحت بطالة عفى عليها الزمن، وصارت رموز مثل بينوشيه مثار إحراج لكل من يحاضر في حقوق الانسان.

ونصل الى الجانب الثاني: سيف العدالة.

لقد تصوّر بينوشيه وكثيرون ممن استفادوا من حكمه، ان التهديدات المبطنة بحروب اهلية بين خصومه واعوانه كافية لردع المطالبين بإحقاق الحق. غير ان من فقدوا اعزاءهم، وفلذات اكبادهم لم يسكتوا، ولم ييأسوا، بل كافحوا بعزيمة وإصرار عبر الوسائل الحضارية القانونية. لقد تكلل كفاح هؤلاء بانتصار العدالة، حتى في قلب تشيلي، مع ان الرئيس اليساري الحالي، ريكاردو لاجوس، فاز بمنصب الرئاسة متغلباً على منافسه خواكين لافين المؤيد للديكتاتور العجوز... بفارق ضئيل من الاصوات.

نعم، كان هناك خوف من تفجر حرب اهلية، الا ان نداءات العدالة اثبتت انها اقوى، وان زمان القهر، في تشيلي الاقل، قد ولى الى غير رجعة.