موقع الشرق الأوسط في صراع آل غور ـ بوش

TT

اذا اصبح جورج بوش الرئيس الجديد للولايات المتحدة، فسيحصل على شهر عسل قصير في العالم العربي. بينما لن يحصل آل غور على مثل ذلك. فالايام الحالية تشهد توترا خطيرا للعلاقات بين الولايات المتحدة والعالم العربي. وهي منطلقة من انحياز الولايات المتحدة لإسرائيل، ومن الغضب من تزايد عدد الضحايا الفلسطينيين والاحباط بخصوص ما يبدو انه طريق مسدود بخصوص العراق.

وفي هذا الاطار، يميل بعض العرب الى الشعور بأن ادارة بوش ستكون اكثر اهتماما بالقضايا العربية. وهذا التصور ليس منطلقا من قناعات او ادلة، ولكنه مبني على توقعات، اذا لم تشر سياسة الحزب الجمهوري ولا سياسة جورج بوش الابن تجاه الشرق الأوسط، خلال الحملة الانتخابية، الى تبرير الاعتقاد بأن رئاسة بوش ستكون افضل بالنسبة للعالم العربي. وببساطة شديدة فإن الاحساس بأن رئاسة بوش ستكون اكثر ولاء للعرب، ينطلق من الاعتقاد بأن حاكم تكساس ونائبه ديك تشيني يكملان سياسة جورج بوش الاب. اما غور فلا ينظر اليه على انه يستكمل سياسة كلينتون. لقد تكونت لكلينتون صورة ايجابية في بعض الدول العربية. ففي اعقاب قمة كامب ديفيد الفاشلة، فقد الرئيس بعضا من بريقه. ولكن حتى هؤلاء الذين نظروا الى كلينتون نظرة ايجابية، لم ينظروا النظرة ذاتها لآل غور. لقد تم تقييم نائب الرئيس طبقا لخطاباته السابقة المدافعة عن العلاقات الإسرائيلية ـ الاميركية، اكثر من شراكته مع بيل كلينتون في البحث عن السلام في الشرق الأوسط.

وخلال حملة انتخابات الرئاسة الطويلة قام المرشحان بتحركات هامة لإعادة تحديد موقفيهما تجاه قضايا الشرق الأوسط. ففي البداية سعى جورج بوش الابن الى ابعاد نفسه عن سياسات والده. وكان معظم مستشاريه في البداية اما من المحافظين الجدد المتشددين او من المسؤولين السابقين في عهد ريغان. وتبنى حاكم ولاية تكساس في خطابته الاولى لهجة موالية لإسرائيل. وخلال كلماته امام الجماعات اليهودية، تعهد بنقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس، بل وانتقد ادارة كلينتون في ممارسة ضغوط على اسرائيل.

غير ان بوش نقل، في المراحل الاخيرة من الحملة، افكاره نحو الوسط. فقد قلل، على سبيل المثال، من اهمية موضوع السفارة وعبر عن دعم متزايد لجهود كلينتون. وبعد اندلاع اعمال العنف الإسرائيلي الفلسطيني، اصدر بوش وتشيني بيانات متماثلة تحمل الفلسطينيين مسؤولية العنف وتتعهد بدعم لإسرائيل، ولكن في مناسبة من المناسبات اعترف بوش بأهمية العلاقات مع عدد من الحلفاء العرب. واعتبر البعض في العالم العربي ذلك دليلا على توازن بوش.

بينما سعى غور، في بدايات حملته، الى التحرك قليلا جدا في الاتجاه المعاكس. فقد اكد انه لن ينقل السفارة الاميركية الى القدس الا اذا اقر ذلك كل من الاسرائيليين والفلسطينيين (وإن كان قد اعترف بأنه يعتقد ان مثل هذا الاتفاق والخطوة ستحدث في نهاية الامر). كما انه اثار دهشة مؤتمر AIPAC (وهو لوبي موال لإسرائيل) بإنهاء خطابه امام المؤتمر بنداء مطول للولايات المتحدة بمد يدها الى العالم العربي والاسلامي لتحقيق تفاهم اكبر. وعندما التقى غور مع العرب الاميركيين اكد صداقته مع اسرائيل ولكنه اشار الى انه خلال الثماني سنوات الماضية، اقام علاقات صداقة مع زعماء كل من مصر والاردن والسعودية والسلطة الفلسطينية. وكان قرار الحاكم بوش بتعيين ديك تشيني ابن تكساس ورجل صناعة النفط والوزير السابق في عهد والده نائبا له تأكيدا لاراء البعض في العالم العربي انه بالرغم من كلماته فسيكون صديقا للعالم العربي. وفي الوقت ذاته كان تعيين غور للسناتور جوزيف ليبرمان تأكيدا للمخاوف العربية من ميول غور لإسرائيل. وبالرغم من كونها غير عادلة ومبسطة، فقد وصف صديق عربي وجهة النظر العربية بخصوص السباق الانتخابي بأنها ليست بين المرشح الجمهوري بوش والديمقراطي آل غور. ولكنها بين «بوش الاب وليبرمان».

ونتيجة لذلك، وفي الوقت الذي يحاول فيه غور وليبرمان مد اليد الى العرب الاميركيين، وجدا صعوبة في اقناع البعض بنواياهما الحسنة. وفي النهاية امتدحت جهود بوش، في الوقت التي اعتبرت فيه جهود غور غير كافية.

ان احداث مرحلة ما بعد الانتخابات قد اكدت تلك المفاهيم. فتعيين بوش لجيمس بيكر وزير الخارجية الاميركي في عهد والده رئيسا لفريقه في ولاية فلوريدا ومناقشاته مع رئيس اركان القوات المسلحة الاميركية في عهد والده كولين باول اشعرت بعض العرب بالراحة لانهم اعتبروها خطوات تدعم امالهم ان ادارة جورش بوش الابن ستكون صورة طبق الاصل من البيت الابيض في عهد والده.

ومن ناحية اخرى ازدادت الشكوك في آل غور من جانب هؤلاء الذين اعربوا عن قلقهم من ان الاصوات غير المفروزة التي يسعى غور لاضافتها الى اجمالي الاصوات التي حصل عليها جاءت من المناطق اليهودية في فلوريدا وتضم ايضا مجموعة مجهولة من الاصوات البريدية من الاميركيين الذين يعيشون في اسرائيل.

الا ان هذه تصورات اكثر من كونها حقائق. ففي الواقع يعتقد معظم المحللين الاميركيين انه لا توجد الا فروق طفيفة في سياسة الشرق الأوسط بين ادارتي بوش وغور. لقد ورثت ادارة كلينتون من ادارة بوش عملية سلام معيبة في الشرق الأوسط تشتمل على مسارات اسرائيلية منفصلة بدون مشاركة منظمة التحرير، وسياسة عقوبات لا يمكن نسيانها ضد العراق. وتمكنت من تطبيق الموقفين بالالتزام بمجموعة من التكتيكات الحزبية المشتركة والاهداف - بحيث لم تتبن سياسة تختلف اختلافا كبيرا عن سياسات سابقتها. وسيحدث الشيء ذاته للادارة التالية التي سترث، بغض النظر عن الفائز، المشكلتين ذاتهما ونفس المفهوم الحزبي المشترك الفاشل في كيفية التعامل معهما.

واذا لم تحدث عملية اعادة تقييم درامية للسياسة الاميركية في الشرق الأوسط وتحدث دفعة قوية من جانب الادارة الاميركية لتحدي الكونغرس والمفهوم الحزبي المشترك الفاشل في المنطقة، سينتهى الامر بالادارة الجديدة، بالتعامل مع قضايا الشرق الأوسط، بنفس الطريقة التي حدثت في الادارتين السابقتين.

ان الواقع ان بوش لن يكون مخلصا للعرب، ولا غور هو الشيطان. ولكن في مجال السياسة الخارجية، كما هو الامر في مجال السياسات الداخلية الادراك هو الواقع. ولذا اذا انتخب بوش فإنه سيحصل على شهر عسل قصير في العالم العربي. وبسبب الازمة في العلاقات العربية الاميركية والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فإن على الادارة الجديدة تشكيل سياسة جديدة. الا انه سيتمتع، لفترة من الزمن، بحسن الظن وهو يحدد سياسته. اما اذا فاز غور، فلن يحصل، على كل الاحتمالات على فترة سماح مماثلة ولذا سيواجه عدة شهور صعبة في البداية.

* رئيس المعهد العربي الاميركي في واشنطن ومستشار آل غور لشؤون الأقليات