انقلاب في سورية

TT

قرار دمشق السماح بتأسيس بنوك خاصة، انقلاب حقيقي على الوضع القديم الذي نبذ الملكية الخاصة واعتبر المصارف مقدسات حكومية لا يجوز حتى التفكير في تغييرها. لهذا تقرن سورية بكوبا كآخر دول العالم القديم. البداية صحيحة بفتح البنوك، لكن الطريق وعر وشاق ويتطلب عزيمة سياسية لا يمكن ان تتوفر عند من كانوا حاضنين او متظللين بالنظام الاقتصادي القديم. قطعا ستكون الحل الحقيقي لتثبيت النظام واعادة ترتيب سورية الذي يعد العالم وفقا لرصيده الاقتصادي.

في تصوري ستكون التجربة السورية غاية في الاهمية، كونها تنفذ في توقيت سياسي دقيق على الصعيد الداخلي، حيث ان الحديث الغالب اليوم مقصور على المطالبة بالاصلاح السياسي، وهو اصلاح حتى لو سار كل الطريق فلن يحل مشكلة المواطن العادي مع تناقص مداخيله. ويأتي في وقت الجميع فيه على استعداد لتقبل التغيير، على اعتبار ان الرئيس بشار الاسد يمثل الجيل الجديد لما بعد الحرب الباردة. الرئيس يتحمل شخصيا مسؤولية البحث عن موارد كبيرة للدولة بعد ان كانت الموارد في الماضي تعتمد على العلاقات السياسية وتقسيمات المعسكرات اقليميا ودوليا، وهو امر انقضى. نجاح حكم بشار الاسد مرهون بنجاحه الاقتصادي وليس بالتغييرات السياسية الداخلية او المكاسب السياسية الخارجية. اليوم الاقتصاد هو السياسة وسورية قادرة على ان تكون فاعلا كبيرا ان جعلت الاصلاح الاقتصادي مشروعها الاول وجربت بشجاعة كافية التغيير، متخطية المخاوف التي تقال من اجل تقييد حركة الاصلاح. فلا يمكن ان يكون كل العالم على خطأ وهو صار يسير على صيغ اقتصادية متقاربة، كما لا يمكن لأي دولة في العالم ان تعيش خارج دائرة منظمة التجارة العالمية او قواعد التجارة الحرة. ولأننا اعتدنا على تقديم التفسير السياسي على الاقتصادي فان الرؤى ظلت مشوشة ومغلوطة كما يحدث اليوم عند تفسير العلاقة السورية مع لبنان. فالقناعة العامة عند اللبنانيين تظن ان المصالح السورية الاقتصادية وراء الوجود السوري في حين ان الحقيقة هي عكس ذلك. المصالح السياسية لسورية هي سبب وجودها، وليس الاقتصادية، بل ان تقديم دمشق اولوياتها السياسية على مصالحها الاقتصادية قد اضر بها كثيرا. حماس دمشق لاصلاح اوضاع مصارفها باللجوء الى التخصيص، ان نفذ بشكل سليم وسريع، سيثبت خطأ تفكير اللبنانيين. سورية في الجغرافيا السياسية ليست في حاجة للبنان، لكن العكس قد يكون صحيحا، مثل الصين مع تاىوان، او السعودية مع دول الخليج. لكن ان ظلت سورية تعيش متقوقعة على نفسها ومغلقة من الداخل، فحسابها الاقليمي والدولي يظل هامشيا. امام الرئيس الشاب فرصة كبيرة ليس لأنه يملك افكارا جديدة لتطوير بلاده فقط، بل لأن هناك استعدادا داخليا وخارجيا لتقبل هذا التغيير ومنه شخصيا. ومشروعه الاستراتيجي الاقتصادي لن يواجه كتائب من المشككين كما يحدث عادة بالنسبة للراغبين في التغيير، مما سيجعله ممكن التنفيذ بأدنى حد من الألم.