انتخبتم أم بعد؟

TT

علينا الآن (اي نحن، وكل هذا العالم) ان نجلس وننتظر لكي نعرف ماذا تقرر: هل يعود بنيامين نتنياهو الذي رفض مقابلة ياسر عرفات؟ هل يعود ايهود باراك الذي عرض عليه «سلام الشجعان» من خلف ألف كفن؟ ام هل يأتي ارييل شارون، محملاً صدره بالاوسمة وعنقه بالجماجم؟

ليس للوقاحة الاسرائيلية اي حدود: عشرة آلاف قتيل وجريح في شهرين، وهي تبحث في الانتخابات وشكل الحكومة. مرة يعلن ايهود باراك وفاة مسار السلام وفي اليوم التالي يعلن القبول بـ«دولة فلسطينية شرط ان تكون قابلة للحياة». يا للغيرة والنزاهة والشرف! يقتل 300 انسان ويكون شرطه الاول الحياة، يدفن التسوية ويدعو الى «سلام الشجعان»، اي شجعان؟ الذين يقتلون الاطفال ام الذين يغتالون الرجال في سيارات ابناء عمومتهم؟ اخس على ابناء عمومتهم.

ليس هناك دولة تعامل العالم بمثل هذا الازدراء والاحتقار والتعالي، خصوصاً حلفائها وكافليها وضامنيها. ردَّ اسرائيل على كل خطوة عربية في اتجاهها هو الدعوة الى انتخابات عامة جديدة. ولمَ لا؟ أليست هي الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط؟ كلما تقدمت التسوية خطوة غيرت اسرائيل حاكمها واعتذرت عما تحقق. إما تغيره بالقتل وإما تغيره بقتل سواه. إما يتغير في قانا وإما يتغير في رام الله.

ثم ماذا تقف اسرائيل لتطلب؟ ماذا تقول انها تريد؟ متى تعلن شرطها الاول؟ تقول، كل يوم تقول،: «لماذا عرفات صامت؟ ماذا يريد عرفات حقاً؟ لماذا لا يتكلم عرفات؟». اذن، المسألة كل المسألة هي عرفات. هو الذي لم يطبق اتفاقات اوسلو. هو الذي ماطل. هو الذي تجاهل. وهو الذي يرسل الدبابات والطائرات لقصف المدن المحاصرة.

ظل عرفات منذ عودته الى غزة يدعو الى «سلام الشجعان» وقد رفض الاسرائيليون حتى الاصغاء. وظل العرب يلتزمون «سلام الشجعان» والقرارات الدولية واسرائيل مصرة على بناء المستعمرات في الداخل والاحتفاظ بقطعة ارض هنا او هناك، من شبعا الى طبريا. والا فالبديل هو الحرب والضرب كما بشرنا المستر توماس فريدمان في «النيويورك تايمس»، ماذا يريد الاسرائيليون افضل واجمل من ذلك؟ انتخابات عامة على وقع الصواريخ، من صور الى غزة. هل يبقى ثمة شك حول من سيربح المعركة الانتخابية في الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الاوسط؟

ثمة وقاحة في جينات الموقف السياسي الاسرائيلي، لا حدود لها. كلما واجه حاكم قرار السلام اشعل الحرب وكلما اشعل الحرب غسلها بانتخابات جديدة، وكلما كانت المسألة هي السلام والحرب والموت والدمار وشلل هذه المنطقة، تحول كل ذلك الى مسألة ليكود او عمل، باراك او شارون ام نتنياهو.

عندما قال عرفات عن باراك «فليذهب الى الجحيم» لم يكن يعرف بعد انه سيدعو الى انتخابات جديدة. وكان يعتقد، مثل جميع السذج، ان المسألة هي مسألة المذبحة المفتوحة في الضفة، فإذا هي مسألة الديمقراطية في الكنيست. اقلية ام اكثرية. حكومة مصغرة ام حكومة طوارئ. هل يقبل شارون ام شارون لا يقبل. انه «سلام الشجعان». وكم يليق هذا الوصف باصحاب المجازر.