لماذا الأذان في مالطة؟!

TT

«الذاكرة التي لا تستعمل تضمحل» حكمة لاتينية عقد ـ في الاسبوع الماضي ـ وزراء الإعلام العرب اجتماعاً سمي طارئاً ضمن سلسلة الاجتماعات الوزارية العربية التي اعقبت مؤتمر القمة الأخير المخصص لدعم الانتفاضة، وجاء إعلان انعقاده مصحوباً بهدف عمل استراتيجية للتحرك في بعض الدول الأوروبية واميركا لمواجهة الافتراءات الإسرائيلية. الغرابة في الأمر أن هذا الهدف تجاهل الساحة العربية وكأن الإعلام الرسمي قد قام بواجبه تجاهها كاملاً، خاصة أن هذه الساحة تشهد تراجع الخطاب الإعلامي العربي الموجه لإنعاش الحس القومي والإسلامي المؤيد للانتفاضة، وفتوراً رسمياً في الحفاظ على وتيرة الغضب والتعاطف مع الأحداث في فلسطين، أي كان الهدف اشبه بالأذان في مالطة!! ففي الوقت الذي ضخ الجهاز الإعلامي العربي قدراً من الحماسة في بدء انتفاضة القدس، واستطاع بهذا القدر ان يوقظ الوعي المخدر باتفاقات التسوية. وشهدت الساحة ـ من جراء ذلك ـ مظاهرات ومسيرات ومهرجانات واعتصامات واعمالاً ثقافية وفنية وتبرعات واحتجاجات، عمت ارجاء الوطن العربي والإسلامي واستمرت اسابيع، إلا أن كل مظاهر السخط أخذت تذوى بعد انعقاد مؤتمر القمة الطارئ، حتى بدا الشارع العربي أقل اكتراثاً مما سبق، وكأن العرب قد أدوا واجبهم في ممارسة الشجب والاحتجاج وإظهار الغضب، رغم ان الانتفاضة لم تتوقف، وأن شبابها يواجهون الموت كل يوم، والشهداء يتساقطون وراء بعض، ومظاهر الجنائز باتت طقساً يومياً في مدن الأرض المحتلة، وأن مشاهد القمع والقتل والهدم والتخريب التي يمارسها الإسرائيليون صبحاً ومساءً ضد المدنيين الفلسطينيين تجري على قدم وساق، وأن تصعيد المواجهة من الطرف الإسرائيلي مستمر برفعها إلى درجة الحرب المعلنة، رغم كل ذلك فإن كمية المواد الترفيهية أخذت تطغى يوماً بعد يوم على حدث الانتفاضة. واستغلت إجهزة الإعلام العربية مناسبة شهر رمضان المبارك لتغرق الساحة بسيل من برامج المنوعات والدراما التلفزيونية والسهرات والمسابقات صارفة الأذهان كلها عن الحدث الجلل في فلسطين.

كان الأولى بوزراء الإعلام العرب أثناء اجتماعهم الطارئ ان يضعوا استراتيجية لتصعيد الغضب في الشارع العربي كما تفعل إسرائيل اليوم مع شعبها. كان الأولى ان تستغل مناسبة رمضان لتوجيه المشاعر الروحية والدينية في تيار الغضب. ولقد كان بإمكان صانعي الدراما العربية أن يكتشفوا مادة ثرية للمسلسلات الرمضانية في معاناة الشعب الفلسطيني، وكان بإمكانهم أن يعثروا بين مفارقات الجندي المدجج بالسلاح والطفل المتحصن بالحجارة أكثر من مادة للفكاهة، وان يجدوا في ازدواجية المعايير لدي الأمم المتحدة والإدارة الأميركية اكثر من مشهد كوميدي، كان الأولى بوزراء الإعلام ان يحترموا اللحظة الدامية من تاريخ الأمة ليوجهوا برامجهم نحوها. ولقد كانت فرصة سانحة لدعم مشروع فيلم صلاح الدين الأيوبي مثلاً، ذلك المشروع الذي ظل مخرجه مصطفى العقاد يطوف العالم العربي باحثاً عن من يدعمه، غير انه اكتشف ان هذا المشروع لا يواكب مرحلة التطبيع التي سبقت إنتفاضة القدس.

لقد كان بإمكانهم تشجيع ذلك التجاوب والرغبة في العطاء لدى المبدعين والفنانين والمثقفين الذي صاحب الانتفاضة، وكان بإمكانهم مد هذا التجاوب بدعم رسمي، ولو تم ذلك لتفتقت المواهب والطاقات الكامنة بإبداعات كالتي ظلت محفورة في أذهاننا إبان حماسة الخمسينات والستينات. كان بإمكانهم ذلك وباستطاعتهم إلا أنهم لم يفعلوا، ما السبب؟!