الأميركيون مروا من هنا!

TT

كان في وسع الفرنسيين والروس الذين ذهبوا إلى جلسة مجلس الأمن الأخيرة، ان يقرأوا على جدران المنظمة الدولية الشعار الذي يقول: «الأميركيون مروا من هنا»، بما يمكن أن يعني سياسياً «البرابرة مروا من هنا»!

تماماً كما يحصل في المدن والساحات التي تجتاحها الحروب وتتعرض للتدمير، كان على الفرنسيين والروس والألمان والسوريين أن ينضموا إلى كوفي أنان في ورشة إزالة «الحطام وقُطَع الزجاج» التي تملأ فناء مجلس الأمن وقد تعرّض للاجتياح الأميركي!

ولا ندري ماذا يمكن الآن ان يفيد مضي جاك شيراك وزملائه معارضي الحرب في الصراخ، فالمسرح الدولي أدار آذانه إلى مكان بعيد عن مجلس الأمن والشرعية الدولية، حيث يمكن لصواريخ «توماهوك ـ كروز» أن تزأر في أي لحظة.

ومنذ اللحظة التي أطلق جورج بوش إنذاره الأخير إلى صدام حسين، باتت الحركة الأساسية خارج الأمم المتحدة، وخصوصاً بعدما أعلن، ان مجلس الأمن لم يرتقِ إلى مستوى مسؤولياته ونحن سنتحمل مسؤولياتنا. ولقد كانت مثل هذه النتيجة واضحة تقريباً منذ مطلع آذار (مارس) الجاري، حيث قال في السادس منه: «بينما نمضي في القرن الواحد والعشرين، وعندما يتعلق الأمر بأمننا فلسنا في حاجة للحصول على اذن من أحد»!

إذاً يمكن أن نعكف منذ الآن على إحصاء الخسائر الهائلة التي وقعت حتى قبل بدء الحرب. ان انهيار الإطار التنظيمي والقانوني للعلاقات الدولية في سياق الشرعية الدولية ممثلة بالأمم المتحدة، يفتح الباب على نمط جديد من السياسة الاحادية التي تجيز لنفسها استنسابياً، ان تتصرف وفق ما يلائم مصالحها وبغض النظر عن الآخرين.

انطلاقاً من هذه النقطة بالذات يواصل الرئيس الفرنسي التحذير من ان الخروج على شرعية الأمم المتحدة، وتغليب القوة على القانون، يحمّل الأميركيين مسؤولية كبرى. ولكن رغم صحة هذا القول، مَنْ الذي يقدر أن يحاسب واشنطن على سياساتها وحروبها، طوني بلير أم جوسيه ماريا أزنار؟!

ولا ندري إذا كان في استطاعة البيانات ذات القيمة الروحية العالية أن تعبر الأطلسي إلى البر الأميركي وان تجتاز أسوار البيت الأبيض إلى أُذني جورج بوش، وان تنفذ من أذنيه إلى عقله وقلبه. ولكن من العبث أن يواصل البابا صراخه قائلا إن «الحرب جريمة بحق السلام».

ثم ان البيان الأخير الذي اصدره الفاتيكان وفيه ان بوش سيتحمل مسؤولية خطيرة أمام الله وأمام ضميره وأمام التاريخ، لم يكن أكثر من نقطة في طوفان الإدانات المشابهة، التي لن تؤثر شيئاً في بوش ربما لأنه يظن بأنه هو الضمير وهو التاريخ.. وربما أكثر، والعزّة لله سبحانه وتعالى.

وقياساً بمسار السياسة الأميركية وتصريحات بوش ومساعديه، يجب أن نتذكر أن «المسرح العراقي» للحرب، ليس أكثر من بداية تجريبية في الميدان لـ «الاستراتيجيا الأمنية الاستباقية» التي أعلنها بوش العام الماضي، عندما أكد حق أميركا في توجيه ضربات وقائية ضد أي بلد يشكل تهديداً حتى قبل وقوع أي هجوم.

ان المعنى الأعمق والأبعد لوضع هذه الاستراتيجيا موضع التنفيذ، هو ان العالم الذي نعرفه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية سيتعرض لمحاولات تغيير جذرية. وهذا يعني اننا في الحقبة الأشد خطورة في التاريخ، حيث يمكن أن تتجه القوانين ومنظومة العلاقات بين الأنظمة والدول والحضارات إلى كارثة.

ان الأمر لا يتعلق بحرب نشنّها اليوم لاسقاط طاغية قمنا أمس بتسليحه بالكيميائيات والجرثوميات، فحسب، بل يتعلق بخطة لترسيخ هيمنة الامبراطورية الأميركية، اختارت بغداد مدخلاً إلى المنطقة، واختارت المنطقة مدخلاً إلى العالم!