الهدف تدمير العراق.. وليس أسلحة الدمار

TT

جنرالات بوش قرروا تقسيم العراق الى مناطق، بطريقة تمكنهم من السيطرة عليها واحدة تلو الاخرى، وليس بالضرورة دفعة واحدة. الجنوب والشمال والغرب هي مناطق العمليات العسكرية، والاولوية للجنوب والغرب لتأمين حماية لاسرائيل في الغرب ولاتخاذ البصرة مركزا للانطلاق والتموين والتزود بالوقود، وذلك تهيئة لمعركة السيطرة على بغداد التي ستتعرض خلال العمليتين العسكريتين في الغرب والجنوب لقصف جوي مكثف.

لقد خطط مهندسو الحرب في واشنطن لتدمير العراق وليس لتدمير اسلحة الدمار. فمع اقتراب بدء الحرب العدوانية لم يعد الناطقون باسم البيت البيض والبنتاغون او الخارجية الاميركية يحرصون على انتقاء الكلمات لاظهار حرص الولايات المتحدة على التأييد الدولي او تأييد الامم المتحدة.

فقد طلب باول من المفتشين مغادرة العراق قبل ان يمتثل كوفي عنان لتعليمات واشنطن ويصدر امرا لهم بالرحيل عن بغداد.

كما اعلن آري فلايشر الناطق باسم الرئيس بوش ان الجيوش الاميركية ستحتل العراق حتى لو «اذعن» الرئيس العراقي للانذار الذي وجهه له بوش بمغادرة العراق.

واصبح واضحا للجميع ان السيطرة على العراق هي الهدف وليس ما ادعته واشنطن سابقا من ان الهدف هو تدمير اسلحة الدمار هناك.

هذا الامر كان واضحا لنا منذ البداية، اي منذ ان قدم مهندسو الحرب ضد العراق دراستهم لبنيامين نتنياهو، عندما كان رئيسا للوزراء. وطلبوا منه مناقشتها مع الادارة الاميركية آنذاك. وهؤلاء جميعا يتبوأون مراكز حساسة الآن في ادارة بوش (وزارة الدفاع، ومجلس الامن القومي والخارجية).

ريتشارد بيرل، فولفويتس، واليوت ابرامز، وفيث. سبق ان كتبت في «الشرق الأوسط» مقالا ذكرت فيه هذه الاسماء والدراسة التي اعدوها وقلت ان اكثر الناس حماسا لحرب تدميرية ضد العراق هو شارون استنادا لدعمه للخطة والتصور الاستراتيجي العدواني الذي رسمه هؤلاء المهندسون.

تدمير العراق والسيطرة على نفطه، حسب هؤلاء المهندسين، هو السبيل لانعاش اقتصاد الولايات المتحدة وتمكنها من السيطرة على الاقتصاد العالمي لعقود طويلة قادمة. اذ ان تدمير العراق واعني مؤسساته النفطية والصناعية وبنيته التحتية سوف يوفر الفرصة السريعة للشركات الاميركية للعمل بأقصى طاقتها في كل الميادين لاعادة بناء ما دمرته طائراتهم وقنابلهم.

وهذا يعني ان هذه الشركات ستحصل على عقود بآلاف المليارات من الدولارات ثمنا لذلك. اي ان نفط العراق سوف يمول هذه المشاريع على مدى العقود القادمة. وان شركات النفط الاميركية ستسيطر على آبار النفط العراقية ومخزون العراق الهائل من النفط، وستحرم الدول الاخرى حتى التي وقعت عقودا مع العراق (كفرنسا وروسيا والصين) من هذا النفط. وبهذا تتمكن الولايات المتحدة من التحكم بأسواق النفط وستتمكن من تركيع دول الاوبك وعلى رأسها دول الخليج العربية واخضاعها لسياستها النفطية.

هذا هو الهدف الاميركي الصهيوني. وبطبيعة الحال فإن تدمير العراق سوف يحدث زلزالا سياسيا في المنطقة وستهتز انظمة كثيرة وستصبح المنطقة (ان نجحت الولايات المتحدة) خاضعة للتحالف الاميركي الاسرائيلي لاعادة تشكيل وترتيب وصياغة علاقاته الاقتصادية والتجارية والسياسية حسبما يريد ويخطط هذا التحالف. يحق لنا الآن ان نقول ان مراجعة سريعة لكل ما جرى قبل اتخاذ مجلس الامن القرار 1441 وبعد ذلك ما هو الا تحضير لعدوان قرر سلفا. وان اثارة «أزمة» سلاح الدمار كانت تستهدف التعبئة الدولية ضد العراق وتدمير اي مخزون من هذه الاسلحة ان كان موجودا لضمان عدم استخدام بغداد له في عملية الدفاع عن العراق. وابلغ مثل على ذلك اصرار بليكس على تدمير صواريخ الصمود 2 التي لا تمت بصلة لاسلحة الدمار انما هي صواريخ دفاعية لا يتعدى مداها طول مدينة بغداد وضواحيها من جنوبها لشمالها.

لا ادري اذا كان العراق يعلم ان ما حشدته الولايات المتحدة لضربه وتدميره يفوق مئات المرات ما حشدته لأفغانستان وان ما قصفت به الطائرات الاميركية «تورا بورا» سيبدو هامشيا امام ما ستقصف به الطائرات الاميركية والبريطانية العراق.

ومع بدء الحرب لن نجد في العالم، ولا في العالم العربي، من يوقف هذه الحرب. وسيستمر مجرمو الحرب في الغرب في مخططهم بغض النظر عن المآسي وعشرات الآلاف من الضحايا (مدنيين وعسكريين).. وهذا ما يتطلب من العراقيين رسم خططهم وتطبيقها بسرعة لامتصاص هذه الضربات المزلزلة وتقليل الخسائر قدر الامكان، واستعادة رباطة الجأش واستنزاف المحتلين من الفرنجة. في هذه الحالة فقط سيتحرك العالم من جديد وسينتفض الرأي العام العالمي والاقليمي، فاستمرار مقاومة الغزاة برباطة جأش ونفس طويل والحاق الخسائر اليومية (مهما كانت قليلة) بالغزاة هو الذي سيمنع استمرار الاستباحة واهداف الاستعباد والتحكم في مقدرات الشعوب ونهب ثرواتها. ويجب الاستفادة من التجارب، خاصة الحديثة منها، واهمها استباحة اسرائيل بكل اسلحتها التدميرية للارض الفلسطينية وارتكاب جرائم الحرب اليومية ضد الشعب الفلسطيني. اذ لا سبيل لمواجهة الاسلحة التدميرية التي يمتلكها المعتدون، لكن جيوشهم قد تواجه مقتلا عندما تدخل المدن والقرى فستضطر عندها تلك الجيوش الى التوقف عن القصف الجوي مخافة اصابة جيوشها. وعندها يصبح السلاح الدفاعي الفردي فاعلا، وكذلك مضادات الدروع ومضادات طائرات الهليكوبتر ستكون فاعلة جدا ومؤثرة جدا.

ولا شك ان هذه الحرب تختلف بالنسبة للعراقيين عن حرب تحرير الكويت، ففي تلك الحرب كان العراقيون يحتلون الكويت ويقف العالم ضد هذا الاحتلال. اما هذه المرة فإن العراقيين يدافعون عن ارضهم وثروتهم ومستقبلهم وحريتهم واستقلالهم.

ولا شك ان الحافز الوطني في الدفاع عن ارض العراق دفاعا مستميتا يختلف عن اي حافز لأي معركة اخرى مختلفة.

امام قرار الولايات المتحدة الخارج عن القانون وعن الشرعية الدولية والمواثيق، وفي مواجهته لن يفيد الا الاعتماد على النفس للدفاع عن ارض الوطن، وان استمر هذا الدفاع فسيصبح للمواقف الشريفة التي اعلنتها دول كثيرة وعبر عنها الرأي العام العالمي تأثير ملموس. وسيتراكم هذا التأثير ككرة الثلج.

قبل مئتي عام، تمكن ابراهيم باشا الابن الاكبر لمحمد علي، والي مصر ابان الحكم العثماني من بناء جيش حديث وصناعات عسكرية على الطراز الاوروبي (بمساعدة اوروبية) وتمكن من هزيمة الجيش العثماني في اكثر من معركة واهمها معركة توحيد مصر وسورية وفلسطين (مصر وبلاد الشام) الا ان هذا الطموح، وانتصار ابراهيم باشا في اكثر من معركة على الجيوش العثمانية دفعا الدول الاوروبية للتحالف لضربه وتدمير جيشه وآلة الجيش العسكرية. فقد ارادت هذه الدول منع ابراهيم باشا من توحيد المنطقة العربية والابقاء على الدولة العثمانية لبعض الوقت لأن اطماعها كانت مركزة في هذه المنطقة. وكانت الدولة العثمانية قد طلبت مساعدة محمد علي باشا قبل توحيد مصر وبلاد الشام ان يحرك جيشا للقضاء على تمرد اليونان والتمرد الوهابي في الجزيرة العربية وتمكن ابراهيم باشا الذي قاد جيشه من فعل ذلك لينتقل بعدها لمعركة توحيد المنطقة العربية.

عندها فقط قرر الاوروبيون تدميره فقامت بذلك جيوش بريطانيا والنمسا وغيرهما من الدول. ان مصالح هذه الدول هي التي تتحكم دائما في مواقفها وليس اي شيء آخر. فالمبادئ والاخلاق والقيم والسلام والحرية، يتحدثون عنها فقط عندما تخدم مصالحهم التي تعني في معظم الاحوال الهيمنة على الشعوب الاخرى وضرب مصالح هذه الشعوب ونهب ثرواتها. كان الله في عون الشعب العراقي.

اما الشعب الفلسطيني فسيواجه هو الآخر مع بدء العدوان على العراق ظروفا اقسى واصعب مما واجه خلال السنوات الثلاث الماضية. اذ ان حرب الفرنجة ضد العرب سوف تفتح مزيدا من الابواب للمتطرفين الذين يحكمون اسرائيل لتنفيذ مخططاتهم.

وما تشدق به الفرنجة حول الشروع في تطبيق الخطط السياسية لاقامة دولة فلسطينية مستقلة هو محاولة لامتصاص ما لا يمكن امتصاصه من عدوان صارخ ولا اخلاقي على الشعب العراقي.

لقد كثفت اسرائيل في الاسبوعين الماضيين ومع اقتراب ساعة العدوان على العراق كثفت هجماتها وجرائمها في الضفة الغربية وقطاع غزة وسقط نتيجة ذلك عشرات الشهداء ومئات الجرحى خلال الاسبوع الماضي.

ويوم (الاربعاء 2003/3/19) قامت اسرائيل باستدعاء عشرين الفا من جنودها الاحتياطيين وخول مجلس الوزراء الاسرائيلي رئيسه ارييل شارون باستدعاء المزيد من الاحتياط «اذا لزم الامر».

لا اعتقد ان استدعاء الاحتياطي الاسرائيلي والمزيد من الاستدعاءات هو لمواجهة الخطر القادم من العراق، فالخطر الذي نفى شاؤول موفاز امكانيته، هو خطر اطلاق العراق صواريخ ارض ارض على اسرائيل او قيام العراق بهجمات جوية.

لا اعتقد ان الخطر يمكن مواجهته باستدعاء آلاف الجنود الذين سيتمركزون على الارض. لا بد ان الهدف من استدعاء الاحتياطيين هو توسيع رقعة العدوان ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة. ولا شك ان ردود الفعل التي تطلق يوميا من وزراء اسرائيليين ونواب في الكنيست لتأكيد رفضهم لقيام دولة فلسطينية مستقلة والانسحاب من الضفة الغربية وقطاع غزة، هي مؤشرات للتصعيد العدواني الذي تحدثت عنه. كان الله في عون الشعب الفلسطيني.