الحرب على النظام.. وليست ضد العراق

TT

ستقوم القاذفات الأميركية وصواريخ كروز في الساعات الأولى من أي هجوم جوي على العراق بضرب أهداف لها ارتباط معروف بصدام حسين، ومن تلك الأهداف التي تحظى بالأولوية، حسب مصادر وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون)، القصور الرئاسية، ومقرات حزب البعث العربي الاشتراكي، والمباني الرئيسية في تكريت، بلدة الرئيس العراقي التي تبعد حوالي 100 ميل إلى الشمال من بغداد.

وتقضي الخطة التي تقودها القوات الأميركية بشن حملة ضد صدام حسين من أربع مراحل، ومن غرائب الأمور أنها لا تتضمن الاشتباك مع الجيش العراقي في القتال!.

ويقول قائد عسكري بريطاني بهذا المعنى: «إذا بقي الجيش العراقي في معسكراته فإننا لن نهاجمه ـ إننا نحتاج إليه في مرحلة ما بعد صدام».

وتجري المرحلة الأولى، التي يطلق عليها العسكريون «مرحلة توليد القوة»، منذ عدة أشهر وهي تشمل عمليات جوية هجومية متزايدة فوق منطقتي الحظر الجوي.

وعندما يعطي الرئيس بوش إشارة الهجوم، سوف تقوم القوات الجوية الأميركية والبريطانية بإطلاق المرحلة الثانية، حيث ستحلق المقاتلات والقاذفات والطائرات الضاربة تدعمها صواريخ كروز من الغواصات في البحر، وطائرات الدعم، وصهاريج الوقود الجوية، وطائرات الحرب الإلكترونية، لتشن حملة جوية تبدو حرب الخليج السابقة عام 1991 حيالها شيئاً هزيلاً.

ففي اليوم الأول (اليوم الجوي)، من المقدر إطلاق 48 ألف نوع من السلاح ضد أهداف عراقية، غير أن هذه العمليات ليست قصفاً عمومياً أو سجادياً أو محاولة لتدمير الجيش العراقي الميداني، لكنها عملية استخدام للأسلحة الموجهة الدقيقة الإصابة التي تقاس دقتها بالسنتيمترات!.

والمعروف انه في الحملة الجوية التي شنت ضد العراق في عام 1991، لم يكن من بين الأسلحة التي ألقيت في تلك الحملة سوى %9 تعتبر أسلحة دقيقة التوجيه، أما في حرب الحلفاء هذه المرة، فإن %90 من القنابل والصواريخ سوف تكون دقيقة التوجيه حسب مصادر القوات الجوية الملكية البريطانية. وهذا من شأنه أن يقلل من الإصابات المدنية إلى درجة كبيرة جداً عما كانت عليه في 1991 وتقدر بين 65 و100 ألف إصابة، لكن تبقى هناك إمكانية «وقوع أخطاء ومعها وفيات»، على حد قول وزير في الحكومة البريطانية.

ولا تقتصر الحملة الجوية الجديدة على أكثر من 400 طائرة قتال من القوات الجوية الأميركية، والأسطول والقوات البحرية، لكنها تضم أيضاً 100 طائرة ضاربة من القوات الجوية الملكية البريطانية، بما في ذلك القاذفات الجديدة من طراز «تورنادو جي ار 4» المسلحة بأحدث أنواع صواريخ كروز البعيدة المدى من طراز «ستورم شادو» التي يبلغ مداها 300 كيلومتر وتحمل رؤوساً شديدة الانفجار يبلغ وزن الواحد منها حوالي الطن من المتفجرات، لكن مخططي القوات الجوية البريطانية مندهشون لدقتها العالية.

فقد قال أحد هؤلاء المخططين: «إنها تستطيع بالفعل اختيار النافذة التي تتم من خلالها مهاجمة المبنى»!.

وهي تستطيع ايضا اختراق الخرسانة المسلحة بسماكة تبلغ عدة أمتار لتدمر الأسلحة المكدسة أو مخابئ القيادة، واضاف يقول: «وأخيراً بات لدينا سلاح ينافس التوماهوك الأميركي ويتفوق عليه»!.

وبعد القصف تأتي المرحلة الثالثة ـ أي الزحف البري. وكانت خطط المعركة الأصلية للحلفاء تقضي بانطلاق تشكيلات مدرعة تقودها القوات البريطانية عبر جنوب تركيا للاستيلاء على مدن رئيسية وتعطل ما لا يقل عن %50 من قوة الجيش العراقي الميداني، لكن افضل ما هو متوقع الآن هو استخدام قواعد جوية عراقية في المنطقة الكردية تعمل منها الآن قوات العمليات الخاصة الأميركية لشن هجمات جوية من قبل الفرقة الأميركية 101 المحمولة جواً تدعمها عناصر من كتيبة المظليين التابعة لفيلق الهجوم الجوي 16 باستخدام طائرات النقل هركوليس سي 130 والطائرات المروحية.

وما زال في البحر المتوسط 20 ألف جندي أميركي من فرقة المشاة الرابعة على ظهر سفنهم، لكن دباباتهم وغيرها من المعدات الثقيلة أنزلت في تركيا على أمل أن يسمح البرلمان التركي في أنقرة بمرور هؤلاء الجنود عبر الاراضي التركية، إذ بعد الانتهاء من ضرب الأهداف جواً لتدميرها أو شلها، ينوي الجنرال تومي فرانكس القائد الأعلى للقوات الأميركية أن يدفع بالجيش الأميركي الخامس عبر الصحراء لتطويق بغداد من الغرب والشمال، فيما تتحرك قطعات القوات البحرية على الطريق الرئيسية في اتجاه البصرة.

وتكون البصرة في هذه الأثناء قد سقطت ـ أو تحررت كما يحلو للأميركيين القول ـ بفعل هجوم برمائي يقوده فيلق الكوماندوز الثالث التابع للقوات البحرية البريطانية. فقد أنيطت بالأسطول البريطاني مهمة تنظيف الممرات المائية القريبة من شبه جزيرة الفاو من الألغام والسيطرة على الشواطئ وهجمات الطائرات المروحية.

أما الفرقة المدرعة الأولى التابعة للجيش البريطاني، فقد أنيطت بها عملية تهدئة مدينة البصرة الجنوبية والحفاظ على حقول النفط الواقعة إلى الشمال منها، بالاضافة إلى الحدود مع إيران، وقد ترنم أحد الضباط البريطانيين بقوله: «لا نريد أن يلتقي الأميركيون والإيرانيون وجهاً لوجه»!.

فالجيش البريطاني متصلب في موقفه، ويقول القائد الأعلى: «إنه من المهم جداً أن تبدأ المرحلة الرابعة ـ أي إعادة إعمار العراق ـ على الفور. إننا بحاجة إلى أن نبين للشعب العراقي أن عملياتنا العسكرية يعقبها الدعم الإنساني الفوري ـ كالماء، والغذاء، والإمدادات الكهربائية. ويقع جانب كبير من ذلك على عاتق الجيش البريطاني، هذه هي المرحلة الرابعة».

أما مرحلة ما بعد صدام، فهي الجزء الثاني من المرحلة الرابعة، وإذا صدقت التنبؤات الجارية هنا في الخليج، عندها تبدأ المعركة الدولية الحقيقية ـ أي معركة اقتسام غنائم الحرب، متمثلة بعقود إعادة بناء البنية التحتية العراقية.

* خبير بريطاني في الشؤون العسكرية والاستراتيجية، وكبير مستشاري موسوعة «جينز» الدفاعية ـ بالاتفاق مع «الديبلوماسي» (خاص بـ «الشرق الأوسط»)