بالروح والدم نفديك يا... شيراك؟!

TT

نال الموقف الفرنسي بقيادة الرئيس جاك شيراك اعجاب الكثيرين في العالم العربي، شعبيا واعلاميا. وبالرغم من وجود مساندة له في هذا الموقف من ألمانيا وروسيا وبلجيكا الا ان قيادة شيراك للموقف كانت واضحة واساسية في تثبيته. وكان المواطن العربي يتطلع لموقف جماعي مماثل من قيادات بلاده الا ان الصوت القوي أتى هذه المرة من الغرب ليجسد ويذكر بحجم الفراغ القيادي الموجود بالمنطقة والتذبذب والفجوة الموجودة بين رموزها وهو الذي جعل تطلعات ابناء الشعوب تبحث عن بطل وعن قدوة عند الغير، ابتداء من مهاتير محمد او نيلسون مانديلا وصولا الى اسامة بن لادن.

والباحث المتمعن والموضوعي في هذه الظاهرة الهامة يجد ان ما حدث هو في المقام الاول نتيجة الهوة العميقة المتفاقمة بين القيادات والشعوب، وذلك كنتيجة مباشرة لانعدام الثقة بين الجانبين. فالمواطن لا يعتبر ان القيادات لها شرعية وتعبر عن رأيه والقيادات ترى المواطنين مجموعة مارقة وحاسدة ومسيرة وبحاجة للهداية والتوبة والتوعية والتأديب. ولاعادة بناء الثقة وارسائها يبدو جليا ان الامر بحاجة لاعادة ترتيب واعادة تقييم حادة وجذرية، تنطلق من مبدأ ان مساحة حسن الظن بين الطرفين بحاجة للتطوير والتحسين. والامر وصل الى ما وصل اليه نتاج عقود من الاعمال الخاطئة والقراءات المغلوطة والرؤى المنقوصة التي بنيت بفكر «احادي» واعتمد فيها على فكر «القائد الملهم» و«الزعيم الخالد» و«البطل العظيم». وقد ولد كل ذلك ارثا تراكميا من الانكسار والتدهور لأن الامة ترفض تسمية الامور باسمائها فتكون الهزيمة «نكسة» وتكون المأساة العظمى «أم المعارك» ويكون الفكر المتقوقع «خصوصية»، وتكون الدكتاتورية «ديمقراطية»، اذ كلفتنا هذه الافكار وغيرها سنين من الفرص الضائعة والآمال الراحلة. وعليه فان المشكلة التي نحياها الآن في ما يخص الازمة العراقية والطاغية صدام حسين ما هي الا افراز آخر للمناخ السيىء الذي نعيشه والذي تنعدم فيه الحرية وتعلق الحقوق وتسلب الارادة وبالتالي فمن غير الطبيعي ألا ينتج هذا الوضع إلا صدام حسين!

الرهان الحاصل الآن على فرنسا وروسيا وألمانيا انهم سوف يكونون هم رموز الخلاص من «الطغيان الاميركي» هو وهم آخر ننسجه لأنفسنا، اذ ان واقع الامر غير هذا، فهناك خطوط حمراء بين الكتلة الغربية لا يمكن تجاوزها والمصالح البينية اهم كثيرا من المنطقة العربية بأسرها.. ولكن الحل الشمولي الحقيقي ليس الاستنجاد بالزعامات الغربية لنجدتنا بل بالاتجاه الى الداخل والبدء في اصلاحات جادة وحقيقية تغير من اساليب الادارة والتوعية والتعامل التي ادت بنا الى ما نحن فيه. وهذا يتطلب نيات حسنة وتوجها سليما وارادة صلبة. صلاح الدين رحل، والمعتصم رحل، وشيراك سيرحل. كل الامل ان يولد المنقذ القادم بيننا ولا نحتاج الى استيراد ذلك ايضا.

[email protected]