حرب الأعصاب!

TT

في الحروب القديمة كان على القائد ان يطلق الرصاص على الجندي الذي يفر من ميدان المعركة.. باعتباره جبانا وخائفا.. ولكن في الحرب العالمية الاولى (1914 ـ 1918) لاحظ القادة زيادة عدد الهاربين الذين يقتلون.. واصبحت مشكلة، فبدلا من ان يقتل الجندي برصاص العدو اصبح يقتل برصاص الزميل.

وفي البحث عن حل رأت قيادة الجيش البريطاني الاستعانة بالطب النفسي للبحث عن اسباب هروب الجنود.. ولأول مرة يصل طبيب نفسي الى ميدان المعركة ليرى لماذا يبقى بعض الجنود في أماكنهم تحت وابل القنابل والرصاص بينما يفر البعض الآخر.

وهكذا ظهر الدكتور هارولد هيلز عام 1917 في مقر قيادة الجيش البريطاني الرابع بالجبهة الغربية.. وعندما قدم نفسه لقائد الفرقة سمع من يقول: لقد ارسلوا لنا واحدا ليهتم بأعصابنا.

ويبدو ان هذه الحملة لقيت قبولا لدى الضباط والجنود وانتشرت بينهم. واعتبروا ان د. هيلز نصاب كغيره من الاطباء النفسيين.

ولكن بمرور الوقت بدأ الجنود والضباط يترددون على الكشك الخشبي الذي اعد كعيادة خاصة بعد ان زاد عدد الجنود الفارين من ميدان المعركة، خاصة بعد انهيار الجبهة الامامية للجيش بسبب الازمات النفسية العنيفة التي اصابت الجنود والضباط على الجبهة.

وهكذا تم الاعتراف بأهمية الطب النفسي في الحرب.. ومع بداية الحرب العالمية الثانية توقف اطلاق الرصاص على الجنود الفارين.. وبدأت القيادة ترسلهم الى عيادات الطب النفسي.

وبكثير من الاعترافات والتجارب اكتشف الاطباء ان قدرة الانسان على تحمل اهوال الحرب تختلف من فرد لآخر.. وانه ليس هناك سبب واحد لهذا الاختلاف، بل هي اسباب متعددة تعود الى النشأة والتربية ونوع التدريب الذي تلقاه الجندي، وحتى ذكريات الجندي عن بيته وحبيبته لها تأثير في موقفه .. وكذلك موقفه من الدين والسياسة..الخ.

وكانت تجربة حرب فيتنام والاهوال التي جرت من جراء استخدام الاسلحة الجبارة والصواريخ والنابلم، وحرب الابادة التي شنت على الشعب الفيتنامي.. وعودة الجنود الاميركان الى بلادهم وقد تحطموا نفسيا، ولجأ بعضهم الى المحاكم لطلب التعويضات عما أصابهم من تشوهات نفسية وروحية.. كل ذلك وضع الطب النفسي في الحرب من الأسلحة وليس مجرد ديكور.

ان الاعصاب القوية هي عماد الضابط والجندي الحقيقي الذي يخوض المعركة، ولهذا تسعى الدولة الى شن ما يعرف بحرب الاعصاب لتحطيم اعصاب الاعداء.. ويحدث هذا في السلم كما يحدث في الحرب.. ولكن بأسلوب مختلف.