الرفض المفهوم

TT

بدء الحرب على العراق لم يخفف من معارضتها، بل زاد هذه المعارضة تأججا واتساعا. ومن الواضح ان العدد الاكبر من دول العالم واقف إما في معسكر المعارضة التامة للحرب، أو في الصف غير المقتنع بأنها افضل طريق لضرب الارهاب ونزع اسلحة الدمار الشامل من يد النظام العراقي. وبالاضافة الى رفض الحرب كموقف سياسي رسمي تتخذه الدول، فان الاعتراض الشعبي الذي عبرت عنه مسيرات حاشدة في كثير من دول العالم خلال الاسابيع التي سبقت الحرب، لا يزال يثبت حضوره المتواصل في الكثير من العواصم والمدن، بما في ذلك المدن الاميركية والبريطانية.

ولا شك ان هذا الرفض الشعبي للحرب له دوافعه المفهومة والمبررة. فالحروب لا يتحمس لها في الأصل أي عاقل. وفي عالم هو بالفعل قرية كونية تنتقل فيها صور ويلات الحروب ومآسيها عبر القارات لتدخل بيوت الناس في كل مكان، لا يعود مستغربا ان تكون هناك مثل هذه المشاعر العالمية المتوحدة في معارضتها للحروب، أيا كانت أسباب الطرف الذي يتخذ قرار الحرب (وهو هنا الرئيس الاميركي جورج بوش) ومبرراته التي يرى من جانبه انها لمصلحة المعترضين على الحرب انفسهم.

ان بيع القرارات الرسمية للشعوب هو، في كل الاحوال ومعظم الاحيان، من اكثر مهام السياسي صعوبة وتعقيدا. وتسويق قرار حرب هو بالتالي الأكثر صعوبة من تسويق اي قرار آخر. ورغم كل المحاولات التي تبذل من جانب السياسيين، يظل من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، تحقيق اغلبية شعبية كبيرة توافق على الحرب.

يبقى انه من المؤسف ان التعبير عن المشاعر المعارضة للحرب يتخلله في بعض الاحيان انفلات للعواطف يؤدي الى مصادمات وشغب. وعلى الرغم من صعوبة ضبط العواطف احيانا، يظل من المهم ان يبقى التعبير عن هذه المشاعر في اطاره الحضاري، بعيدا عن اي سلوك يتخذ طابع الشغب أو العنف.