حرب غير ضرورية.. فرضها رئيس غير منتخب!

TT

اتصور وانا اكتب هذا المقال ان الحرب في العراق ستبدأ قبل نشره.

واتصور ان الكثير من الاميركيين ملتف الآن حول الرئيس جورج بوش تأييدا له، كما ان الكثير منهم سيساند قواتنا في ميدان المعركة، فضلا عن ان كل الاميركيين تقريبا يأملون، كما آمل انا، في ان تكون الحرب قصيرة وان تسفر عن اقل عدد ممكن من الضحايا في صفوف الجانبين.

لا يهم كثيرا الآن ما كان عليه موقفنا في السابق، فبانطلاق الحرب نريد ان تسير الاشياء على افضل نحو ممكن ونريد ان يبذل جنرالاتنا قصارى جهدهم في سبيل تحقيق انتصار عسكري واضح في هذه الحرب.

ولكن حقيقة اننا نؤيد ونساند قواتنا بمجرد انطلاق الحرب لا يعني بالضرورة ان هذه الحرب كانت خيارنا منذ البداية، بل ان الرئيس جورج بوش هو الذي وضع الولايات المتحدة في هذا الموقف المحفوف بالمخاطر، اذ ان انطلاق الحرب يعني ان قواتنا ستكون معرضة للخطر ويصبح لزاما عليها القتال من اجل البقاء.

هذه الحرب ليست «حرباً ضرورية» وإنما حرب اختيار توصل اليه جورج بوش ومستشاروه.

كل هذا ربما يمكن تحمله اذا اتخذ قرار الحرب رئيس منتخب بوضوح وشرعية، بيد ان الكثير من الاميركيين، بمن في ذلك شخصي، لا يعتقد ان الرئيس بوش كسب انتخابات الرئاسة بصورة شرعية، اذ كنا نعتقد وما نزال ان الانتخابات التي اوصلته الى البيت الابيض كانت مسروقة.

عملية الزج بالولايات المتحدة في حرب غير ضرورية بواسطة شخص لم يحصل بطريقة قانونية على السلطة الواسعة التي يتمتع بها الآن أمر مثير للقلق بالنسبة للكثير من الاميركيين. مسألة ارتكاب خطأ بواسطة رئيس انتخب بصورة ديمقراطية صحيحة أمر يختلف تماما عن الزج بالبلاد في حرب غير ضرورية بواسطة رئيس فرض على البلاد من خلال الغش والخداع.

ليس ثمة شك في ان الشخص الذي وصل الى السلطة بصورة غير قانونية يقود البلاد الآن الى حرب، كما ليس هناك شك ايضا في انه اذا اخطأ الحسابات فإن الدمار والقتل سيكونان مصير الكثيرين.

ربما تبدو انتخابات عام 2000 بالنسبة للكثير منا وكأنها قد حدثت قبل زمن طويل، بيد ان النتائج المترتبة على هذا الصراع تنعكس على كل ما يحدث الآن. فالشرعية السياسية للرئيس لم تثبتها انتخابات الرئاسة عام 2000 وإنما ثبتتها هجمات 11 سبتمبر (ايلول) 2001. فالولايات المتحدة تعرضت الى هجوم استدعى ان يضع الجميع الخلافات السابقة جانبا لكي يرد على الاعتداء الذي استهدف البلاد. كان جورج بوش عمليا هو الرئيس الوحيد للولايات المتحدة في ذلك الوقت. وبصرف النظر عن الشخص الذي اصبح رئيسا، فإن افغانستان كانت ستتعرض للغزو لشن الحرب ضد طالبان ردا على هجمات 11 سبتمبر. ولكن في تلك المرحلة بدأت تظهر خلافات مهمة، وبدأت تظهر ايضا مسألة الاهتمام بنوعية من يسيطر على السلطة.

ليس من الواضح ما اذا كان آل غور سيجعل من الحرب على العراق محط أنظار إدارته اذا اصبح رئيسا للولايات المتحدة بدلا من الرئيس الحالي، كما ليس من الواضح ايضا ما اذا كان سيتورط في دبلوماسية تعاني من الاخطاء الفادحة تؤدي الى حدوث انقسامات وسط تحالفات عمرها نصف قرن تقريبا وتؤدي الى تبديد تعاطف كسبته الولايات المتحدة غداة هجمات 11 سبتمبر الارهابية.

ليس من الواضح ايضا ما اذا كان آل غور سيتبنى مخططا ضخما مثل المخطط الحالي بشأن العراق مع التغاضي عن التهديد المتزايد من جانب كوريا الشمالية.

تتكشف بوضوح كل يوم النتائج التي ترتبت على انتخابات الرئاسة عام 2000، بيد ان ما يتكشف ليس بالطبع في مصلحة الرئيس بوش الذي يملك الآن سلطة علينا وعلى كل العالم.

اما بالنسبة للذين يعتقدون ان انتخابات الرئاسة السابقة التي اوصلت الرئيس الحالي الى السلطة كانت غير قانونية، فإن ما يمكن قوله هنا هو ان الولايات المتحدة تسير في طريق محفوف بالمخاطر. نرى بوضوح الآن ان سلطة الرئاسة التي جرى الحصول عليها قبل عامين بطريقة بعيدة عن الأمانة والدستورية لم تجلب لنا السلام وإنما المزيد من الصراع والمزيد من الاخطار.

الانقلاب الدستوري الذي حدث عام 2000 قاد الى مقامرة كبرى بواسطة شخص لا يثق به الكثير من الاميركيين، وهي مقامرة تهدد باندلاع المزيد من الحروب والموت والدمار.

اتمنى لقواتنا الانتصار في الحرب، كما اتمنى ان يوفق جنرالاتنا في هذه الحرب وان تترجم استراتيجياتهم الى نصر سريع. ولكن ليس لدي ثقة بالرجل الذي ارسلهم الى هذه الحرب، فهو يعرف فقط كيف يستولي على السلطة من دون استخدامها بصورة متعقلة. نتمنى ألا ننتهي بدفع ثمن غروره.

* استاذ القانون الدستوري في كلية الحقوق في جامعة ييل ـ خدمة «لوس أنجليس تايمز» ـ «واشنطن بوست» ـ خاص بـ«الشرق الأوسط»