لن يبكي صدام أحد

TT

المثقف العربي مأزوم يفكر داخل ثقافة مأزومة، وهو اما خائف أو منافق، أو الاثنان معا!!

ولكن ما مفهوم المثقف (عندنا)؟!

المثقف مفهوم مأزوم بحد ذاته. فهو مصطلح غير خاضع للضبط المفاهيمي المحدد. هل يشبك داخله المتعلم الجامعي، الأستاذ، المختص التكنوقراطي، المهندس، الطبيب، العالم... الخ، وكذلك الأديب، الكاتب، الشاعر،الفيلسوف المفكر، الفقيه، الفنان الخ..؟

هل لمفهوم المثقف بالمعنى الغربي Intellectual معنى عضوي في الثقافة العربية؟! حيث تعني Intellectual المثقف/ المفكر العقلاني، المنخرط في نشاط يشتغل فيه العقل على نحو إبداعي.. وفي حرية؟! ذلك سؤال شائك في حاجة الى قراءة معرفية حفرية لا ندعي مقاربتها.

لكن، على الأجمال، لم تعدم الثقافة العربية معنى المثقف العضوي، الفاعل في حراكها، منذ انبثاقها النهضوي مع رفاعة الطهطاوي.

لكن فاعلية المثقف العضوي في الثقافة العربية ظلت ولا تزال في طور الفرد أو الجماعة (النخبة) المحدودة، ولم تتحول أو تتكون في (صورة) حركة عامة واسعة (تتصل) بحراك مجتمع مدني حر، في طليعته انتلجنسيا منظمة (بما تعنيها من مفهوم تاريخي اجتماعي تنتظم داخله نخبة المجتمع المثقفة من أساتذة ومعلمين وأطباء ومهندسين وعلماء وصحافيين وكتاب وفنانين..).

ان معنى المثقف المقصود هنا، هو الناشط أو الفاعل العضوي (تفكيرا وممارسة = نظرا وعملا) في نطاق نشاطه المعرفي الخاص المتصل عضويا بمحيطه الاجتماعي، بغض النظر عن موقفه الآيديولوجي الطبقي السياسي، قربه أو بعده عن السلطة. يميني أو يساري، طوبوي أو عدمي، واقعي أو سريالي، الى غير ذلك!

فقد كان الغزالي مثقفا عضويا، شئنا أم أبينا، وظف فكره وعلمه في خدمة السلطة السلجوقية وايديولوجيتها الوثوقية!

كما كان ابن رشد مثقفا عضويا، شئنا أم أبينا، وظف فكره وعلمه في خدمة مشروعه الفلسفي العقلاني في تفكيك المنطق النقلي الوثوقي!

لكننا اليوم، رغم حضور الانتلجنسيا في المجتمعات العربية، بمعناها العريض الواسع، من الصحراء الى الصحراء، وحضور آلاف المفكرين والكتاب والفنانين، نفتقد رفاعة الطهطاوي وطه حسين!

ليس في منسوب تفكيرهم ومدى رؤية أطروحاتهم وانما في دورهم العضوي في المجتمع. فلقد تجاوز الفكر العربي بأعماق منسوب تفكيرهم ومدى رؤية أطروحاتهم، لكن لا أحد، بعد، ظهر في مستوى حضورهم العضوي في التأثير المزدوج في المجتمع والسلطة.

هل لأن تلك الأيام، أيامهم، كانت ضربا من الرومانسية والبراءة الدارجة؟!

لكن تلك الأيام، أيامهم، كانت قاسية، بالتزامن مع عصرهم، و،غالبا، أكثر قسوة من أيامنا!

أعني ان «المثقف العربي» اليوم، في غالب الحال، إلا ما ندر، إذا استثنينا مثقفي المهاجر والمنافي في شتات الأرض ، يعيش حالة يربوعية، من ثقف يثقف، أي دخل في جحره وخرج منه وبالعكس!

أي نفق، ومنها نافق، منافقة، ونفاقا، أي ستر كفره بقلبه وأظهر إيمانه بلسانه، فهو منافق!

فالمثقف العربي، على نحو عام، منذ ابن رشد، وهو يدخل في نفقه ليخرج منه ليدخل فيه، وهكذا!

لكن استدعاء ابن رشد اليوم، لمجرد الاستدعاء، في حاضرة اليوم، باجتماعها المركب، لغة واقتصاداً وخطابات واستراتيجيات، لن يكون أكثر من ناسخ المنسوخ أصلا! فاستدعاؤه، في المحصلة النهائية، لا يعدو كونه رثاء بتاريخ رجعي!

أتحدث عن مثقف عربي يتململ، يوشك ان يعوي من حيث انتهى الكلب الأجرب (وصف أطلقه الأصوليون الأوروبيون على ابن رشد تعبيرا عن مقاومتهم له في فلسفته الرشدية التنويرية التي اكتسحت بنية التفكير الغربي السكولائي بينما انهزم الزحف العربي/ الإسلامي في بواتيه).

الغرب الأوروبي لم يعد يتحدث منذ نحو أربعة قرون عن بواتيه أو ابن رشد، الذي إذا ما كان ثمة داع لذكره فانه يرد لماما في ندوات استشراقية ضيقة تتحدث عن تاريخ العلاقة بين الشرق والغرب..!

الا ينبغي ان نكف عن إعادة إحياء ابن رشد والتوحيدي والطهطاوي ومحمد عبده وحسين عبد الرازق وطه حسين... في زمن عولمة التنوير؟! ولكن كيف لنا ان نكف وسيد ثقافة المرحلة ابن لادن الذي تجد في خطابه، غالبية شبيبة العرب والإسلام، ناطقا بما يمور في دواخلها من غضب محتقن لم يجد له قنوات فكرية وسياسية سوية تستوعب تطلعاته وأحلامه وحقوقه في فضاء من حرية التعبير والمشاركة السياسية في صنع مستقبل مجتمعه وأمته؟!

لقد انطلقت الحرب على العراق ولن يبكي على صدام ونظامه إلا بقايا أزلامه، لكن الرابح الكبير يبقى بن لادن بفضل مغامرة بوش المجنونة...!