عرب في مهب الريح!

TT

هل الأفضل للفرد العربي، اختيار العيش في غيبوبة الحلم على الصدام مع واقعه المر؟! هل أصبح الإنسان العربي يحمل نعش حلمه على كتفيه، بعد أن بات يسمع بأذنيه نعي وفاته؟! هل الإيمان بقضية ما، يلزم الفرد العربي بالتشبث بها حتى الموت، أم أن من يحذو هذا الحذو يعتبر من زمرة المجانين؟! هل دوما التمسك بقضية مصيرية، ثمنه باهظ؟! داهمتني هذه التساؤلات وأنا أتابع بأسى على شاشات التلفاز، مشهد الفتاة الأمريكية ذات الثانية والعشرين ربيعا، التي تصدت بشجاعة للبلدوزر الذي كان يهم بهدم سائقة منـزل أحد أسر الشهداء مما دفعه إلى دهسها بطريقة وحشية لا تمت للإنسانية بصلة!! جميل أن يضع الإنسان حلمه في صرة، ويدور بها في مشارق الأرض ومغاربها، مروجا لها حتى تصبح حقيقة واقعة على الأرض، لكن هل جميع الأحلام حق طبيعي للإنسان العربي، أم أن الأحلام صارت تُـصنّف مثل كل الأشياء في الحياة، منها المباح ومنها المحرم ومنها المتقلب حسب الظروف؟! تذكرت تلك الأحلام المشبوهة التي انتهت بالعديد من الشباب العربي إلى قلعة غوانتانامو، بعد أن غسلت أدمغتهم بدس أحلام في دواخلهم لا تمت للإسلام الحقيقي بصلة، وجعلتهم اليوم في موضع الجلاد والضحية! ما الذي أوصل عالمنا العربي والإسلامي إلى هذا الدرك من الخلط بين الأمور؟! من الذي رفع من حرارة التطرف في العالم العربي والإسلامي، حتى أصبح مثل «مسمار جحا» لأمريكا، في استباحة وتجزئة الأراضي العربية؟! لقد كنا في الماضي نرهف السمع إلى مواويل فنانينا الكبار وهم يدندنون: «يقولون ليلى في العراق مريضة». لم تكن عقولنا الصغيرة تدرك المعاني المبطنة لهذه الأبيات الشهيرة، لكن اليوم ها هي كل ليلى في العراق تئن ألما من وابل القذائف التي تنهال عليها من كل جانب، ولا نملك حيلة الا الدعاء، وانتظار ما يأتي به الغد من مفاجآت!! لم نتعلم بعد كل المصائب التي حلت بنا، أن الحلم لا يتحقق بالقعود في المخابئ وانتظار انتقام القدر، لأن إسلامنا يرفض هذا التواكل! وأحلامنا لن تتحقق ونحن قابعون أمام نشرات الأخبار نتابع بحسرة ما يجري لهذا البلد العربي، وإنما بالتفكير جديا كيف نبني قوتنا من جديد، بعد أن أصبحنا مثل أحجار لعبة الشطرنج في يد أمريكا، تحرك بأصابعها كل من ترغب في إزاحته من طريقها ثم تصرخ مهللة «كش ملك»! لكن هل اللوم يقع عليها وحدها؟ أم أن ما يجري من مهازل في العالم العربي والإسلامي، شجعها على هذا التطاول! من خلال إعلام فاسد يخفي الحقائق عن شعوبه، ويلهيه بغمس فكره في نتاج الفن الهابط، وأغاني الوله والحب لصرفه عن قضايا أمته! نعم الشعوب العربية مسؤولة هي الأخرى عما آلت إليه من نكبات، بسكوتها عن الفساد وعدم رفع صوتها احتجاجا على ما يجري على أرضها من قصص يندى لها الجبين!! ما دام بعض علمائنا يفتون حسب أهواء حكامهم، فقل على هذه الأمة السلام!! وما دام الكثير من ساستنا يتشبثون بكراسيهم على حساب أمن وسلامة شعوبهم، فقل على هذه الأمة السلام!! وما دام العديد من شبابنا مغموسا في بؤر التطرف، فقل على هذه الأمة السلام!! وما دام الفساد مستشريا، والذمم تباع وتشترى، وأقلام المثقفين معروضة للبيع في «الفاترينات» لكل من يقدم فاتورة أعلى، فقل على هذه الأمة السلام!!

لقد صرح أحد المفكرين الأمريكيين، بأن إسرائيل تخطط لترحيل الفلسطينيين إلى الأردن أو العراق، مستغلة الحرب الأمريكية القائمة على العراق. ومع هذا فالكل ما زال يتفرج كأنه يقطع فراغ وقته!! لم تتحرك جـل الأنظمة العربية لصد الغزو الاقتصادي الذي تخطط له أمريكا من خلال تجميدها لأموال العديد من الأفراد والجمعيات الخيرية بحجة محاربة الإرهاب، متناسية أنها منبع الإرهاب من خلال ما تمارسه من «بلطجة» عسكرية على دول العالم، وأثر ما تفعله على المدى البعيد في إفقار البلدان العربية والإسلامية!! لقد أصبحنا، رغبنا ام لم نرغب «هنودا حمرا» في عرف بلاد العم سام، حيث يظهر منطقها الذي قامت عليه.. لا مكان للضعفاء في هذا العالم. لم نفهم إلى اليوم بأن أمريكا لا تخاف من المتطرفين، فقد اتخذتهم ذريعة لكي تدس أنفها في شؤوننا، وإنما الحقيقة المتوارية أنها تخاف الإسلام الحقيقي الذي يدعو إلى التعايش مع الأديان، والتكاتف والتضامن وإرساء معالم الحق والعدل والحرية على الأرض. الإسلام الحقيقي الذي تخافه أمريكا، الذي يدعو إلى العلم الذي قامت عليه حضارة العالم بأسره، والذي لو انشغلت الأمة بإعادة بناء أساسياته من جديد، ستدفع العالم بأسره إلى احترام عقلها وعدم الاستخفاف بقدراتها.

في كتاب الدكتور محمد عباس «بل هي حرب على الإسلام»، يقول بأن الدول الإسلامية انهزمت حضاريا وعسكريا أمام الغرب بعد أن ابتعدت عن الإسلام الحقيقي.. كان الغرب يقهر الأوطان، ويسيطر على موارده ويمزق أرضه كي يمنع عنه كل بصيص أمل في استرداد عافيته، متسائلا في موقع آخر: هل مشكلتنا أننا مارسنا الإرهاب ونمارسه؟! أم أننا لم نمارسه بالقدر الكافي؟!»، متابعا بأن العلامة الفرنسي بورجا، سئل عما إذا كان العنف الذي لجأت له بعض الجماعات الإسلامية هو توجه أصيل فيها ولم يكن وليد الظروف؟! فأجاب بورجا.. أعطني أي حزب سياسي في الغرب وأنا أحوله لك خلال أسابيع إلى جماعة مسلحة باتباع نفس الأساليب التي اتبعت ضد الحركات الإسلامية.

أتذكر أنني قرأت بعد موجة الاعتذارات التي طفت على سطح أوروبا في الآونة الأخيرة، أن كبير المؤرخين المغاربة محمد عزوز حكيم، طالب الملك الإسباني خوان كارلوس بأن يقدم هو الآخر اعتذاره عما اقترفه أجداده القدماء منذ خمسمائة عام في حق مسلمي الأندلس، أسوة باعتذاره الذي قدمه لليهود الذين تم طرد أسلافهم مع المسلمين الاسبان، مؤكدا أن الأندلسيين المسلمين يحتفظون بمفاتيح بيوتهم على أمل العودة إلى ديارهم في الأندلس يوما. الاعتذار لم يتم، كون جميعنا يدرك بأن الدم العربي أرخص من أن يتم تقديم اعتذار علني عنه!!

للأسف لقد أضحينا فئران تجارب لأمريكا، تجرب على الشعوب العربية أسلحتها الفتاكة، وترطب جفاف حلقها برفع نبرة التعالي عليها، من دون أن نسمع صوتا احتجاجيا جهوريا يطالب برفع هذا الظلم الواقع على أمة العروبة والإسلام! التاريخ دوما عظة للغافلين، ليتنا ندرك أننا لن ننهض من هذا الكابوس الإجباري إلا ببناء قوة علمية حقيقية، قوة تقوم على نفض العالم العربي أتربة التطرف عن ثوبه، والعودة إلى ينابيع إسلامه الحقيقي، الذي تناساه في زحام الحياة!