رسالة من مخرج أميركي إلى بوش

TT

عزيزي الحاكم بوش: هكذا إذن.. ها نحن وصلنا إلى ما تعتبره «لحظة الحقيقة»، وهو اليوم الذي «كشفت فيه فرنسا وبقية دول العالم أوراقها أمام الملأ». أنا شخصيا مسرور لأننا أخيرا وصلنا إلى هذا اليوم. لأنني، إذا سمحت لي، وقد ضقت ذرعا بالاستماع إلى أكاذيبك وخداعك وتضليلك الذي استمر 440 يوما، لم أكن واثقا من قدرتي على تحمل المزيد. وهكذا فأنا مسرور بأن اليوم هو يوم الحقيقة، لأن لدي حقائق جديدة أود أن أطرحها عليك:

1 ـ لا يوجد فرد في أميركا (باستثناء مخابيل برامج الإذاعة وأنباء قناة فوكس الإخبارية) يرغب في شن الحرب. أرجو أن تثق في ما أقوله. وبامكانك التجول خارج البيت الأبيض وفي شوارع أميركا والسعي للعثور على خمسة أشخاص يشعرون برغبة في قتل العراقيين. لكنك لن تجدهم، لماذا؟ «لأننا لم نشهد عراقيا واحدا جاء إلى أميركا ليقتل أياً منا، ولم يتهددنا بذلك أي عراقي».

وهكذا كما ترى، نعتقد ان الرأي العام الأميركي ينظر إلى المسألة بالشكل التالي: إذا لم يمثل فلان أو فلان أي تهديد لحياتنا، فلا عجب أننا لا نرغب في قتله، هذا الأمر قد يبدو ظريفا.. اليس كذلك؟

2 ـ إن غالبية الأميركيين ـ أولئك الذين لم ينتخبوك أبدا ـ لم يقتنعوا بطرحك المتعلق بأسلحة الدمار الشامل. فنحن ندرك القضايا الحقيقية ذات العلاقة بحياتنا اليومية ـ لا تبدأ بحرف ما أو تنتهي بغيره. واليك ما يتهدد حياتنا: لقد فقدنا قرابة 2.5 مليون فرصة عمل منذ توليت السلطة، كما باتت أسواق الأوراق المالية مدعاة للسخرية، ولم يعد الناس واثقين من مصير أموال التقاعد التي يعتمدون عليها، وارتفعت قيمة الغالون الواحد من الوقود إلى ما يزيد عن دولارين. وهناك قائمة طويلة مشابهة. لن يؤدي قصف العراق إلى حل أي من هذه المشاكل على الإطلاق. شيء واحد قد يؤدي إلى تحسن الأمور، انه رحيلك.

3 ـ وكما قال بيل ماير اخيرا: الى اي مدى من السوء ستصل حتى تتفوق على صدام في كراهية الناس لك؟ لقد باتت شعوب العالم بأسره تقف ضدك يا سيد بوش، ويمكنك أن تعتبر مواطنيك الأميركيين من بين أولئك.

4 ـ بابا الفاتيكان قال إن هذه الحرب ليست صائبة، وإنها خطيئة. ليس البابا فقط، بل الأسوأ من ذلك إن ديكسي تسيكس بات الآن يقف ضدك، إلى أي مدى تريد لسوء الأوضاع أن يقنعك بأنك وقعت أداة لهذه الحرب؟

هذه، بطبيعة الحال، حرب لا يتوجب عليك خوضها. تماما كما تجنبت حرب فيتنام في الوقت الذي اضطر المساكين لخوضها نيابة عنك.

5 ـ من بين أعضاء الكونغرس، البالغ عددهم 535، هناك عضو واحد فقط (هو النائب جونسون، الممثل لولاية جنوب داكوتا) لديه إبن أو إبنة تخدم في القوات المسلحة، وإذا ما أردت أن تثبت دفاعك عن أميركا، فلتتفضل بإرسال إبنتيك إلى الكويت فورا واسمح لهما بارتداء الزي الواقي من الحرب الكيماوية. وليبعث كل عضو في الكونغرس بأحد أبنائه ممن هم في سن الخدمة العسكرية، للتضحية بأطفالهم من أجل هذه الحرب. ماذا قلت يا سيدي؟ انك لا ترى جدوى من ذلك؟ حسنا، لا بأس، فنحن أيضا لا نرى منه جدوى أيضا!

6 ـ وأخيرا، إننا نعشق فرنسا. أجل، لقد أثروا أيضا على مواقف البعض ممن كان موقفهم مزعجا إلى حد كبير. لكن، هل نسيت اننا لم نكن لنصنع من هذا البلد ما يعرف بأميركا لولا فرنسا؟ وانه لو دعمهم للحرب الثورية لما انتصرنا؟ وان العديد من عظماء مفكرينا وسابقينا المؤسسين ـ أمثال توماس جيفرسون وبن فرانكلين وغيرهما ـ أمضوا سنوات عديدة في فرنسا حيث استنتجوا المفاهيم التي مضت قدما بإعلان استقلالنا وبدستورنا؟ ثم إن فرنسا هي التي قدمت لنا تمثال الحرية، ومصمم «شيفروليه» كان فرنسيا، وإن أول من اخترع السينما كانا شقيقين فرنسيين؟

والآن هاهم الفرنسيون يفعلون ما لا يفعله سوى صديق عزيز ـ أن يصدقوك القول وهم يتحدثون عنك، بشكل مباشر وبلا مراوغة.

لذلك يتوجب عليك التوقف عن انتقاد الفرنسيين، بل وتوجيه الشكر لهم لأنهم أصابوا هذه المرة. وهل تدري ان عليك أيضا أن تتجول كثيرا في أنحاء العالم، كما اعتدت، قبل أن تتولى السلطة. فجهلك للعالم جعلك فقط تبدو بليدا، كما دفعك إلى مأزق لا يمكنك الفكاك منه.

على ان الفرصة لا تزال أمامك، هناك بعض الانباء الطيبة. فاذا قررت المضي قدما بهذه الحرب، التي قد تنتهي فورا على الأرجح، لاعتقادي بأنه ليس هناك الكثير من العراقيين الراغبين في التضحية بأرواحهم دفاعا عن صدام حسين، فانك بعد تحقيقك «النصر» في الحرب، قد تفرح لارتفاع نسبة مؤيديك في استطلاعات الرأي، على اعتبار ان الجميع يعشقون المنتصرـ ومن ذا الذي لا يرغب في رؤية هزيمة الآخرين الآن وغدا، خاصة عندما يكون المهزوم من العالم الثالث!

وهكذا، بإمكانك المحاولة والمضي قدما نحو تحقيق النصر، حتى قدوم الانتخابات المقبلة. فتلك بطبيعة الحال لا تزال مرحلة بعيدة، وسيتوجب علينا ترقب الأمر بينما تواصل الأوضاع الاقتصادية تدهورها إلى الحضيض.

لكن تذكر الآتي، فمن يدري ـ ربما تتمكن من العثور على أسامة بن لادن قبل تلك الانتخابات، وهكذا، يمكنك التفكير بهذه الطريقة، واصل الاحتفاظ بالأمل، واستمر في قتل العراقيين، ذلك انهم يمتلكون نفطنا!!

* مخرج أميركي