في هذه الحرب لا داعي للكذب

TT

سأروي لكم قصة قديمة لكنها تشبه احداث اليوم، مناسبتها الحرب وموضوعها الكذب وطرفها العراق. فقد خسر العراق واحدة من معاركه مع ايران في منتصف الثمانينات على احدى الجزر الاستراتيجية في الخليج. وبعد ان نشرت الصحافة العالمية انباء استيلاء الايرانيين عليها قامت السلطات العراقية بتكذيب الخبر، وزيادة في التلفيق دعت جمعا من الصحافيين العرب لمشاهدة الجزيرة وحملتهم في طائرة هليكوبتر ليشاهدوا العلم العراقي يرفرف فوقها، وبالفعل شاهدوه مرفرفا. بعث الصحافيون بتقاريرهم مستندين الى ما مدهم به العراقيون ليصدموا في اليوم التالي عندما فتحت ايران الجزيرة للصحافة العالمية بما لا يدع مجالا للشك في استحواذهم عليها. حينها ادرك الصحافيون ان مسؤولي الدعاية العراقيين كذبوا عليهم فأخذوهم الى جزيرة أخرى تزويرا، زاعمين بأنها الجزيرة محل النزاع، وصحيح انها انطلت عليهم ليوم واحد لكن سرعان ما عُرفت الحقيقة كما ان العراق خسر ثقة الاعلاميين به.

لذا من سيصدق مؤتمرات وزير الاعلام العراقي، محمد الصحاف او زميله وزير الداخلية صاحب الرشاش الضخم؟ بل هل تدرون لماذا قد يخسر النظام العراقي احترام المتعاطفين معه؟ السبب هو اصرار الوزراء العراقيين على الوقوف أمام الملأ واصدار بيانات مضللة، في وقت الكذب فيه غير فعال، فالعالم يشاهد النتائج ساعة بساعة، تكذب ما يقال في بغداد، كما حدث في خبر سقوط ام قصر التي رأى المشاهدون الطائرات العمودية الاميركية تحلق فوقها والعلم يرفع عليها.

نعم، في المعارك قد يكذب الوزراء والجنرالات كجزء من ادارتهم الحرب النفسية، انما في هذه الحروب تحديدا الكذب سلاح مضاد، فالاميركيون سعداء ببث مؤتمر الصحاف على الهواء مترجما ليشاهده ويسمعه الجميع في وقت يتنقل فيه مئات الصحافيين من كل الجنسيات مع القوات الاميركية وينقلون على الهواء انباء وصور تساقط المناطق العراقية المحتلة.

قد يكذب قائد اي جيش لكن العراقي ليس محتاجا لأن يكذب مدعيا انتصاراته او صموده لاعتبارات عقلانية، ابرزها ان الجميع يعلمون ان القوتين غير متكافئتين. فالقوة العراقية متخلفة تقنيا ومتهالكة بشريا ومتآكلة آليا وليست ندا للقوة العظمى في العالم، وبالتالي لن يعيب احد عليها ان تخسر ام قصر في اليوم الثاني من المعارك، ولن يلومها احد حتى لو سقطت بغداد في الاسبوع الاول من الحرب.

أساءت الحكومة العراقية لنفسها طوال 12 عاما، وهي تصر زورا انها لم تخسر الحرب في معركة الكويت، مدعية انها انسحبت انسحابا طوعيا. هراء، وكلنا نعرف ذلك. ولم تقنع احتفالات ذكرى «النصر» احدا بمن فيهم الذين جلسوا في المنصة الرئيسية مصفقين.

نتائج معارك اليوم نهائية بخلاف معارك عام 1991 لأنها لن تتوقف في صفوان، ولن يجتمع الجنرالات في خيمة ترتيبات الهزيمة، ولن تنفع وساطات الدول الشقيقة والصديقة في وقف القوات الراكضة باتجاه العاصمة، وقد تنتهي الحرب سريعا ويرى العالم الغزاة في بغداد، فما هي مبررات فبركة القصص او نفي الحقائق المصورة؟

على المسؤولين العراقيين ان يكونوا صادقين مع العرب، فهذه لحظاتهم الأخيرة حتى يكسبوا تعاطف الناس بعد ان يخسروا المعركة، اما اذا استمروا في مؤتمرات الشتائم والاكاذيب فإنهم سيخسرون التعاطف الشعبي، وهو رصاصتهم المتبقية لهم.