دروس التاريخ

TT

يعرف ابن خلدون التاريخ بقوله: إن التاريخ فن يوقفنا على احوال الماضين من الامم في اخلاقهم، والانبياء في سيرهم والملوك في دولهم حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يروقه في احوال الدين والدنيا.

اما الفيلسوف الايطالي بندتو كروتشه فيرى ان التاريخ كله هو تاريخ الحاضر فنحن لا نبغي حقا من دراسة التاريخ إلا التعرف على الاطار الذي نعيش فيه ومعرفة اصوله، ولا يتسنى لنا معرفة الحاضر وتفسيره ما لم ندرك الماضي في البحث في حقيقة وجوده.

ورغم وجاهة منطق ابن خلدون في تفسير التاريخ في اننا نتعلم من الماضي فنحاول اكتساب مزاياه وتجنب اخطائه، ووجاهة رأي كروتشه في ان الماضي مجرد تفسير للحاضر.. فإن فيلسوفا آخر هو كارل بوبر يرى ان ليس هناك قيمة لدروس التاريخ لأن التاريخ لا يعيد نفسه.. اي انه لا يتكرر ولهذا لا نستطيع التنبؤ بشيء قادم بناء على شيء مضى.

ويقول بوبر ان مسيرة التاريخ تتأثر بنمو المعرفة.. فتجارب الامم والشعوب منذ الفي سنة مختلفة تماما عن تاريخ الامم والشعوب منذ الف سنة.. لأن المعارف نمت وتنوعت فتغيرت التجارب والاحداث.

يعتقد بوبر كما يرى كل من هيغل وماركس وكانت وشبنجلر وتوينبي ان هناك قوانين جامعة تحكم التطور التاريخي والاحداث لتصنع القوانين، والصحيح ان القوانين هي التي تصنع التجارب والاحداث.

ولعلنا نصل من هذه الالمامة السريعة بمهمة التاريخ عند المؤرخين والفلاسفة الى ان دراسة التاريخ قد تساعدنا على ادراك بعض جوانب الحاضر، وإن كانت لا تفسره.. وان اخطاء الماضي مهما بدت ظاهرة فإننا نقع فيها مرة اخرى!

اننا عربياً يمكن ان نجد تطبيقات لهذا الرأي في توالي سقوط الدول العربية الكبرى.. الدولة الأموية.. والعباسية.. ودولة العرب في الاندلس، والامبراطورية العثمانية.. ومع ذلك فالسقوط يتوالى دون توقف.. فماذا استفدنا من دراسة التاريخ؟

ان التاريخ علم حقا.. ولكنه لا يدخل في مضمار العلوم التجريبية فهو علم بحث وتمحيص.. بحث وراء الحقيقة.. والحقيقة اننا لم نتعظ قط من دروس التاريخ.