حفظ الله العراق

TT

من اللحظات المتعبة للانسان ان تكون له رغبتان لا يمكن ان تتحقق احداهما الا على حساب الاخرى، انها لحظات قاسية يحاول المرء فيها ان يعد انفاسه، وهو في حالة انتظار نادرة.

نحلم بزوال طاغية بغداد، ونحلم ان يتم ذلك دون ايذاء ابرياء العراق، وبين الحلمين جيوش جرارة وحاملات طائرات وقصف مدن واسلحة ذكية وغبية، وحقيقة ان قرار ان تبدأ الحرب هو اسهل ما فيها وان اخطر ما فيها هو كيف تنتهي!

تعودنا على ان نتخلى عن الاحلام الكبيرة لصالح احلام اصغر منها، ثم نكتشف ان حلمنا الصغير صعب المنال فنتواضع في احلامنا ورغباتنا، ولقد كنا نحلم ان يتغير النظام ويزول الدكتاتور بايدي ابناء العراق، ولكن التاريخ لا تضعه الرغبات والاحلام، فجاءت الجيوش الاجنبية في عملية اطلق عليها اسم تحرير العراق، ولا يمكن لنا الا ان نتعامل معها كحقيقة، ونتمنى في الوقت ذاته ان تتم العملية كلها باقل خسائر ممكنة للعراقيين.

باستثناء مأساة الفلسطينيين، فلا اعتقد ان احدا قد تعذب في منطقتنا كما حدث للعراقيين، قتل وتشريد وحروب عدمية وفوق كل ذلك واقسى من كل ذلك ظلم ذوي القربى من ابناء العمومة من البحر الى البحر، حيث يتحدث كثير من العرب في كثير من القضايا ولكنهم يهملون مأساة شعب العراق وعذاباته، ويخلطون بين الجلاد والضحية ويتفننون في المؤتمرات العربية باختراع الوسائل والحيل لمساعدة حاكم بغداد على الاستمرار في عناده، ولا نبالغ اذا قلنا ان ما وصلنا اليه الآن هو نتيجة منطقية للكذب والنفاق العربي وعدم قول الحقيقة. واقول من واقع تجربة شخصية مريرة انه لو لا ايمان في النفوس لكفر العراقيون بعروبتهم، فلقد كنت يوماً بلا وطن بسبب احتلال صدام للكويت، وكنا نذهب لعواصم عربية عديدة نقول لهم ان الرجل ارتكب جريمة وعليكم ان تفعلوا شيئاً فيكون الرد اننا ضد الوجود الاجنبي في المنطقة، ونسألهم من تسبب في الوجود الاجنبي ومن الذي دفع المنطقة للاستعانة بالاجنبي بعد ان فتك الشقيق بشقيقه وقتل الاخ اخاه فنرى الابتسامات الصفراء على الوجوه، وحال العراقيين اليوم لا يختلف عن حالنا، ومأساتهم لا تختلف عن مأساتنا!!

في هذه اللحظات العصيبة نرفع ايدينا بالدعاء لاطفال العراق وعجائزهم، لمشرديهم وسجنائهم، ان يحفظ الله هذا القطر العربي الجميل وان يحلم بالحرية باقل خسائر ممكنة، وان يعيش العراقيون كما تعيش شعوب الدنيا المتحضرة يمارسون حريتهم وحياتهم ويستمعون الى موسيقاهم، ويسهرون على ضفاف دجلة ويعلمون اطفالهم المحبة.